responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 13  صفحه : 218
[سُورَة إِبْرَاهِيم (14) : آيَة 22]
وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22)
أَفْضَتْ مُجَادَلَةُ الضُّعَفَاءِ وَسَادَتِهِمْ فِي تَغْرِيرِهِمْ بِالضَّلَالَةِ إِلَى نُطْقِ مَصْدَرِ الضَّلَالَةِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ إِمَّا لِأَنَّهُمْ بَعْدَ أَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ كُبَرَاؤُهُمْ بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْهُدَى عَلِمُوا أَنَّ سَبَبَ إِضْلَالِهِمْ هُوَ الشَّيْطَانُ لِأَنَّ نَفْيَ الِاهْتِدَاءِ يُرَادِفُهُ الضَّلَالُ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْمُسْتَكْبِرِينَ انْتَقَلُوا مِنَ الِاعْتِذَارِ لِلضُّعَفَاءِ إِلَى مَلَامَةِ الشَّيْطَانِ الْمُوَسْوِسِ لَهُمْ مَا أَوْجَبَ ضَلَالَهَمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمٍ يَقَعُ فِي نُفُوسِهِمْ كَالْوِجْدَانِ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَلا تَلُومُونِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مَلَامٌ صَرِيحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَوَقَّعَهُ فَدَفَعَهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَأَنَّهُ يُتَوَّجَهُ إِلَيْهِ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ، فَجُمْلَةُ وَقالَ الشَّيْطانُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَقالَ الضُّعَفاءُ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ وَصْفِ هَذَا الْمَوْقِفِ إِثَارَةَ بُغْضِ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الْكُفْرِ لِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ بِدِفَاعِ وَسْوَاسِهِ لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ الَّذِي يُخَاطِبُهُمْ بِهِ الشَّيْطَان مَلِيء بإضمار الشَّرّ لَا لَهُمْ فِيمَا وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَفِزَّ غَضَبَهُمْ مِنْ كَيْدِهِ لَهُمْ وَسُخْرِيَتِهِ بِهِمْ، فَيُورِثُهُمْ ذَلِكَ كَرَاهِيَةً لَهُ وَسُوءَ ظَنِّهِمْ بِمَا يَتَوَقَّعُونَ إِتْيَانَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِهِ. وَذَلِكَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّرْبِيَةِ.
وَمَعْنَى قُضِيَ الْأَمْرُ تُمِّمَ الشَّأْنُ، أَيْ إِذْنُ اللَّهِ وَحُكْمُهُ. وَمَعْنَى إِتْمَامِهِ: ظُهُورُهُ، وَهُوَ أَمْرُهُ تَعَالَى بِتَمْيِيزِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَأَهْلِ الْهِدَايَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [سُورَة يس: 59] ، وَذَلِكَ بِتَوْجِيهِ كُلِّ فَرِيقٍ إِلَى مَقَرِّهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِعَمَلِهِ، فَيَتَصَدَّى الشَّيْطَانُ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْمَلَامِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَشْرِيكِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ مَعَهُ فِي تَبِعَةِ ضَلَالِهِمْ، وَقَدْ أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِإِعْلَانِ الْحَقِّ، وَشَهَادَةٍ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ كَسْبًا فِي اخْتِيَار الانصياع إِلَى دَعْوَةِ الضَّلَالِ دُونَ دَعْوَةِ الْحَقِّ. فَهَذَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 13  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست