responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 275
فَرَضَ لَهُمَا إِلَهًا وَاحِدًا مستفردا بِالْإِلَهِيَّةِ كَمَا هُوَ حَالُ مِلَّتِهِ الَّتِي أَخْبَرَهُمْ بِهَا. وَفَرَضَ لَهُمَا آلِهَةً مُتَفَرِّقِينَ كُلُّ إِلَهٍ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي أَشْيَاءٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَوْجُودَاتِ تَحْتَ سُلْطَانِهِ لَا يَعُدُّوهَا إِلَى مَا هُوَ مِنْ نِطَاقِ سُلْطَانِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ حَالُ مِلَّةِ الْقِبْطِ.
ثُمَّ فَرَضَ لَهُمَا مُفَاضَلَةً بَيْنَ مَجْمُوعِ الْحَالَيْنِ حَالِ الْإِلَهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِلْآلِهَةِ الْمُتَعَدِّدِينَ لِيَصِلَ بِذَلِكَ إِلَى إِقْنَاعِهِمَا بِأَنَّ حَالَ الْمُنْفَرِدِ بِالْإِلَهِيَّةِ أَعْظَمُ وَأَغْنَى، فَيَرْجِعَانِ عَنِ اعْتِقَادِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وُجُودَ الْحَالَيْنِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ أَصْحَابِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ.
هَذَا إِذَا حُمِلَ لَفْظُ خَيْرٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمُتَعَارَفِ مِنْهُ وَهُوَ التَّفْضِيلُ بَيْنَ مُشْتَرَكَاتٍ فِي صِفَةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَيْرٌ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْخَيْرِ عِنْدَ الْعَقْلِ، أَيِ الرُّجْحَانِ وَالْقَبُولِ. وَالْمَعْنَى: اعْتِقَادُ وُجُودِ أَرْبَابٍ مُتَفَرِّقِينَ أَرْجَحُ أَمِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، لِيَسْتَنْزِلَ بِذَلِكَ طَائِرَ نَظَرِهِمَا وَاسْتِدْلَالِهِمَا حَتَّى يَنْجَلِيَ لَهُمَا فَسَادُ اعْتِقَادِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، إِذْ يَتَبَيَّنُ لَهُمَا أَنَّ أَرْبَابًا مُتَفَرِّقِينَ لَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ تَطَرُّقِ الْفَسَادِ وَالْخَلَلِ فِي تصرفهم، كَمَا يومىء إِلَيْهِ وَصْفُ التَّفَرُّقِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعَدُّدِ وَوَصْفُ الْقَهَّارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَحْدَانِيَّةِ.
وَكَانَتْ دِيَانَةُ الْقِبْطِ فِي سَائِرِ الْعُصُورِ الَّتِي حَفِظَهَا التَّارِيخُ وَشَهِدَتْ بِهَا الْآثَارُ دِيَانَةَ شِرْكٍ، أَيْ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ. وَبِالرَّغْمِ عَلَى مَا يُحَاوِلُهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْإِفْرِنْجِ مِنْ إِثْبَاتِ اعْتِرَافِ الْقِبْطِ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُمْ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ بِأَنَّهَا رُمُوزٌ لِلْعَنَاصِرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنَّ يُثْبِتُوا إِلَّا أَنَّ هَذَا الْإِلَهَ هُوَ مُعْطِي التَّصَرُّفَ لِلْآلِهَةِ الْأُخْرَى. وَذَلِكَ هُوَ شَأْنُ سَائِرِ أَدْيَانِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الشِّرْكَ يَنْشَأُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْخَيَالِ فَيُصْبِحُ تَعَدُّدَ آلِهَةٍ. وَالْأُمَمُ الْجَاهِلَةُ تَتَخَيَّلُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ مِنْ تَخَيُّلَاتِ نِظَامِ مُلُوكِهَا وَسَلَاطِينِهَا وَهُوَ النِّظَامُ الْإِقْطَاعِيُّ الْقَدِيمُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 275
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست