responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 149
يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ بِأَبْصَارِهِمْ فَصَرَّحُوا بِفِعْلِ الرُّؤْيَة. وأكّدوه ب (إنّ) وَلَامِ الِابْتِدَاءِ مُبَالَغَةً فِي تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ
مَنْ يَجْهَلُ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فِيهِ، أَوْ مَنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ. وَفِي هَذَا التَّنْزِيلِ تَعْرِيضٌ بِغَبَاوَتِهِ كَمَا فِي قَوْلِ حَجَلَ بْنِ نَضْلَةَ:
إِنْ بَنِي عَمِّكَ فِيهِمْ رِمَاحٌ وَمِنْ فَسَادِ التَّفَاسِيرِ تَفْسِيرُ الضَّعِيفِ بِفَاقِدِ الْبَصَرِ وَأَنَّهُ لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ فَرَكَّبُوا مِنْهُ أَنَّ شُعَيْبًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ أَعْمَى، وَتَطَرَّقُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَى فَرْضِ مَسْأَلَةِ جَوَازِ الْعَمَى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَوْهَامٍ. وَلَمْ يُعْرَفْ مِنَ الْأَثَرِ وَلَا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ مَا فِيهِ أَنَّ شُعَيْبًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ أَعْمَى.
وَعَطَفُوا عَلَى هَذَا قَوْلَهُمْ: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِمَّا مُهِّدَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ، أَيْ لَا يَصُدُّنَا عَنْ رَجْمِكَ شَيْءٌ إِلَّا مَكَانُ رَهْطِكَ فِينَا، لِأَنَّكَ أَوْجَبْتَ رَجْمَكَ بِطَعْنِكَ فِي دِينِنَا.
وَالرَّهْطُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى رَجُلٍ أُرِيدَ بِهِ الْقَرَابَةُ الْأَدْنَوْنَ لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ كَثِيرًا، فَأَطْلَقُوا عَلَيْهِمْ لَفْظَ الرَّهْطِ الَّذِي أَصْلُهُ الطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَقُولُوا قَوْمَكَ، لِأَنَّ قَوْمَهُ قَدْ نَبَذُوهُ. وَكَانَ رَهْطُ شُعَيْبٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ خَاصَّةٍ أَهْلِ دِينِ قَوْمِهِ فَلِذَلِكَ وَقَّرُوهُمْ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ قَرِيبِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ مَا يُؤْذِيهِ لِقَرَابَتِهِ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا نَصَرَهُ رَهْطُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْصُرُونَ مَنْ سَخِطَهُ أَهْلُ دِينِهِمْ. عَلَى أَنَّ قَرَابَتَهُ مَا هُمْ إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ لَا يُخْشَى بَأْسُهُمْ وَلَكِنَّ الْإِبْقَاءَ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ كَرَامَةٍ لِقَرَابَتِهِ لِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُخْلِصِينَ لِدِينِهِمْ.
فَالْخَبَرُ الْمَحْذُوفُ بَعْدَ لَوْلا يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْكَرَامَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ وَقَوْلُهُ: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ [هود: 92] ، فَلَمَّا نَفَوْا أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا وَإِنَّمَا عِزَّةُ الرَّجُلِ بِحُمَاتِهِ تَعَيَّنَ أَنَّ وُجُودَ رَهْطِهِ الْمَانِعِ مِنْ رَجْمِهِ وُجُودٌ خَاصٌّ وَهُوَ وُجُودُ التَّكْرِيمِ وَالتَّوْقِيرِ، فَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْلَا رَهْطُكَ مُكَرَّمُونَ عِنْدَنَا لَرَجَمْنَاكَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 12  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست