responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 84
الَّذِينَ امْتَازُوا بِتَأْيِيدِ الدِّينِ. فَالْمُهَاجِرُونَ امْتَازُوا بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَكَبَّدُوا مُفَارَقَةَ الْوَطَنِ. وَالْأَنْصَارُ امْتَازُوا بِإِيوَائِهِمْ، وَبِمَجْمُوعِ الْعَمَلَيْنِ حَصَلَ إِظْهَارُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَقَدِ اشْتَرَكَ الْفَرِيقَانِ فِي أَنَّهُمْ آمَنُوا وَأَنَّهُمْ جَاهَدُوا، وَاخْتُصَّ الْمُهَاجِرُونَ بِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا وَاخْتُصَّ الْأَنْصَارُ بِأَنَّهُمْ آوَوْا وَنَصَرُوا، وَكَانَ فَضْلُ الْمُهَاجِرِينَ أَقْوَى لِأَنَّهُمْ فَضَّلُوا الْإِسْلَامَ عَلَى وَطَنِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَبَادَرَ إِلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، فَكَانُوا قُدْوَةً وَمِثَالًا صَالِحًا لِلنَّاسِ.
وَالْمُهَاجَرَةُ هَجْرُ الْبِلَادِ، أَيِ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَتَرْكُهَا، قَالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ:
إِنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهَاجَرَةً ... بِكُوفَةِ الْجُنْدِ غَالَتْ وُدَّهَا غُولُ
وَأَصْلُ الْهِجْرَةِ التَّرْكُ وَاشْتُقَّ مِنْهُ صِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ لِخُصُوصِ تَرْكِ الدَّارِ وَالْقَوْمِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عِنْدَهُمْ كَانَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ قَوْمَهُمْ، وَيَتْرُكُهُمْ قَوْمُهُمْ إِذْ لَا يُفَارِقُ أَحَدٌ قَوْمَهُ إِلَّا لِسُوءِ مُعَاشَرَةٍ تَنْشَأُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.
وَقَدْ كَانَتِ الْهِجْرَةُ مِنْ أَشْهَرِ أَحْوَالِ الْمُخَالِفِينَ لِقَوْمِهِمْ فِي الدِّينِ، فَقَدْ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: 99] . وَهَاجَرَ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت: 26] ، وَهَاجَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْمِهِ، وَهَاجَرَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ بِإِذْنِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ يَثْرِبَ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالْمَدِينَةِ غَلَبَ عَلَيْهِمْ وَصْفُ الْمُهَاجِرِينَ وَأَصْبَحَتِ الْهِجْرَةُ صِفَةَ مَدْحٍ فِي الدِّينِ، وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ التَّفْضِيلِ: «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ»
وَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ- وَقَالَ- لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» .
وَالْإِيوَاءُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [26] .
وَالنَّصْرُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [123] .
وَالْمُرَادُ بِالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ: وَنَصَرُوا النَّصْرُ الْحَاصِلُ قَبْلَ الْجِهَادِ وَهُوَ نَصْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ يَحْمُونَهُمْ بِمَا يَحْمُونَ بِهِ أَهْلَهُمْ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَصْفُ الْأَنْصَارِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 84
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست