responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 70
وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحْضَرُ بِقَوْلِهِ: الْآنَ هُوَ زَمَنُ نُزُولِهَا. وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءَ الْحَاجَةِ إِلَى ثَبَاتِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَشَرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بِحَيْثُ صَارَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِاثْنَيْنِ، لَا أَكْثَرَ، رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ وَاسْتِبْقَاءً لِعَدَدِهِمْ.
فَمَعْنَى قَوْلِهِ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ أَنَّ التَّخْفِيفَ الْمُنَاسِبَ لِيُسْرِ هَذَا الدِّينِ رُوعِيَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَلَمْ يُرَاعَ قَبْلَهُ لِمَانِعٍ مَنَعَ مِنْ مُرَاعَاتِهِ فَرُجِّحَ إِصْلَاحُ مَجْمُوعِهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ. وَقَوْلِهِ: وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ثَبَاتَ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَشَرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ وُجُوبًا وَعَزِيمَةً وَلَيْسَ نَدْبًا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَنُسِبَ أَيْضًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا يَثْقُلُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، وَلِأَنَّ إِبْطَالَ مَشْرُوعِيَّةِ الْمَنْدُوبِ لَا يُسَمَّى تَخْفِيفًا، ثُمَّ إِذَا أُبْطِلَ النَّدْبُ لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ ثَبَاتُ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ مُبَاحًا مَعَ أَنَّهُ تَعْرِيضُ الْأَنْفُسِ لِلتَّهْلُكَةِ.
وَجُمْلَةُ: وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَقَدْ عَلِمَ مِنْ قَبْلُ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَالْكَلَامُ كَالِاعْتِذَارِ عَلَى مَا فِي الْحُكْمِ السَّابِقِ مِنَ الْمَشَقَّةِ بِأَنَّهَا مَشَقَّةٌ اقْتَضَاهَا اسْتِصْلَاحُ حَالِهِمْ، وَجُمْلَةُ الْحَالِ الْمُفْتَتَحَةُ بِفِعْلِ مُضِيٍّ يَغْلِبُ اقْتِرَانُهَا بِ (قَدْ) .
وَجَعَلَ الْمُفَسِّرُونَ مَوْقِعَ وعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً مَوْقِعَ الْعَطْفِ فَنَشَأَ إِشْكَالٌ أَنَّهُ يُوهِمُ حُدُوثَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِضَعْفِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، مَعَ أَنَّ ضَعْفَهُمْ مُتَحَقِّقٌ، وَتَأَوَّلُوا الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِمْ ضَعْفٌ، لَمَّا كَثُرَ عَدَدُهُمْ، وَعَلِمَهُ اللَّهُ، فَخَفَّفَ عَنْهُمْ، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الضَّعْفَ فِي حَالَةِ الْقِلَّةِ أَشَدُّ.
وَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ حَدَثَ فِيهِمْ مِنْ تَكَرُّرِ ثَبَاتِ الْجَمْعِ
الْقَلِيلِ مِنْهُمْ لِلْكَثِيرِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ تَكَرُّرَ مُزَاوَلَةِ الْعَمَلِ الشَّاقِّ تُفْضِي إِلَى الضَّجَرِ.
وَالضَّعْفُ: عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّدِيدَةِ وَالشَّاقَّةِ، وَيَكُونُ فِي عُمُومِ الْجَسَدِ وَفِي بَعْضِهِ وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّنْوِيعِ، وَهُوَ ضَعْفُ الرَّهْبَةِ مِنْ لِقَاءِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ فِي قِلَّةٍ، وَجَعْلُهُ مَدْخُولَ (فِي) الظَّرْفِيَّةِ يُومِئُ إِلَى تَمَكُّنِهِ فِي نُفُوسِهِمْ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ فِي التَّكْلِيفِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست