responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 67
وَ (صابِرُونَ) ثَابِتُونَ فِي الْقِتَالِ، لِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الْآلَامِ صَبْرٌ، لِأَنَّ أَصْلَ الصَّبْرِ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ، وَالثَّبَاتُ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَاقَيْتُمْ فَاصْبِرُوا»
. وَقَالَ النَّابِغَةُ:
تَجَنَّبْ بَنِي حُنَّ فَإِنَّ لِقَاءَهُمْ ... كَرِيهٌ وَإِنْ لَمْ تَلْقَ إِلَّا بِصَابِرِ
وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ:
سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا ... وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا
وَالْمَعْنَى: عُرِفُوا بِالصَّبْرِ وَالْمَقْدِرَةِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ أَحْوَالِ الْجَسَدِ وَأَحْوَالِ النَّفْسِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَوَخِّي انْتِقَاءِ الْجَيْشِ، فَيَكُونُ قَيْدًا لِلتَّحْرِيضِ، أَيْ: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ لَا يَتَزَلْزَلُونَ، فَالْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ ضَعِيفُ النَّفْسِ فَيَفْشَلُ الْجَيْشُ، كَقَوْلِ طَالُوتَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [الْبَقَرَة: 249] .
وَذُكِرَ فِي جَانِبِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرَّتَيْنِ عَدَدُ الْعِشْرِينَ وَعَدَدُ الْمِائَةِ، وَفِي جَانِبِ جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ عَدَدُ الْمِائَتَيْنِ وَعَدَدُ الْأَلْفِ، إِيمَاءً إِلَى قِلَّةِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَاتِهِ، مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ ثَبَاتَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ عَدَدِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ الْجَيْشِ تُقَوِّي نُفُوسَ أَهْلِهِ، وَلَوْ مَعَ كَوْنِ نِسْبَةِ عَدَدِهِمْ مِنْ عَدَدِ عَدُوِّهِمْ غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْإِيمَانَ قُوَّةً لِنُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ تدفع عَنْهُم وَهن اسْتِشْعَارِ قِلَّةِ عَدَدِ جَيْشِهِمْ فِي ذَاتِهِ.
أَمَّا اخْتِيَارُ لَفْظِ الْعِشْرِينَ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَشَرَاتِ دُونَ لَفْظِ الْعَشَرَةِ: فَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ لَفْظَ الْعِشْرِينَ أَسْعَدُ بِتَقَابُلِ السَّكَنَاتِ فِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ لِأَنَّ لِلَفْظَةِ مِائَتَيْنِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بِسَكَنَاتِ كَلِمَاتِ الْفَوَاصِلِ مِنَ السُّورَةِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْمِائَةَ مَعَ الْأَلْفِ، لِأَنَّ بَعْدَهَا ذِكْرَ مُمَيِّزِ الْعَدَدِ بِأَلْفَاظٍ تُنَاسِبُ سَكَنَاتِ الْفَاصِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يَفْقَهُونَ فَتَعَيَّنَ هَذَا اللَّفْظُ قَضَاءً لِحَقِّ الْفَصَاحَةِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 67
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست