responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 52
وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ وَإِلْقَاءُ الشَّيْءِ. وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [100] .
وَإِنَّمَا رُتِّبَ نَبْذُ الْعَهْدِ عَلَى خَوْفِ الْخِيَانَةِ، دُونَ وُقُوعهَا، لِأَن شؤون الْمُعَامَلَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ الظُّنُونِ وَمَخَائِلِ الْأَحْوَالِ وَلَا يُنْتَظَرُ تَحَقُّقُ وُقُوعِ الْأَمْرِ الْمَظْنُونِ لِأَنَّهُ إِذَا تَرَيَّثَ وُلَاةُ الْأُمُورِ فِي ذَلِكَ يَكُونُونَ قَدْ عَرَّضُوا الْأُمَّةَ لِلْخَطَرِ، أَوْ لِلتَّوَرُّطِ فِي غَفْلَةٍ وَضَيَاعِ مَصْلَحَةٍ، وَلَا تُدَارُ سِيَاسَةُ الْأُمَّةِ بِمَا يُدَارُ بِهِ الْقَضَاءُ فِي الْحُقُوقِ، لِأَنَّ
الْحُقُوقَ إِذَا فَاتَتْ كَانَتْ بَلِيَّتُهَا عَلَى وَاحِدٍ، وَأَمْكَنَ تَدَارُكُ فَائِتِهَا. وَمَصَالِحُ الْأُمَّةِ إِذَا فَاتَتْ تَمَكَّنَ مِنْهَا عَدُوُّهَا، فَلِذَلِكَ عُلِّقَ نَبْذُ الْعَهْدِ بِتَوَقُّعِ خِيَانَةِ الْمُعَاهِدِينَ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: «خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأْخُذَكَ» ، أَيْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لِصٌّ.
وعَلى سَواءٍ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَبْذًا عَلَى سَوَاءٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي (انْبِذْ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِكَ عَلَى سَوَاءٍ.
وعَلى فِيهِ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ فَهِيَ تُؤْذِنُ بِأَنَّ مَدْخُولَهَا مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُعْتَلَى عَلَيْهِ.
وسَواءٍ وَصْفٌ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [6] . وَإِنَّمَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِوَاءِ مَعَ مَعْنَى (عَلَى) الطَّرِيقُ، فَعُلِمَ أَنَّ سَواءٌ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَصْفُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلى ذاتِ أَلْواحٍ [الْقَمَر: 13] ، أَيْ سَفِينَةٍ ذَات أَلْوَاح. وَقَوله النَّابِغَةِ:
كَمَا لَقِيَتْ ذَاتُ الصَّفَا مِنْ حَلِيفِهَا أَيِ الْحَيَّةُ ذَاتُ الصَّفَا.
وَوَصْفُ النَّبْذِ أَوِ النَّابِذِ بِأَنَّهُ عَلَى سَوَاءٍ، تَمْثِيلٌ بِحَالِ الْمَاشِي عَلَى طَرِيقٍ جَادَّةٍ لَا الْتِوَاءَ فِيهَا، فَلَا مُخَاتَلَةَ لِصَاحِبِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ [الْأَنْبِيَاء: 109] وَهَذَا كَمَا يُقَالُ، فِي ضِدِّهِ: هُوَ يَتْبَعُ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ، أَيْ يُرَاوِغُ وَيُخَاتِلُ.
وَالْمَعْنَى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ نَبْذًا وَاضِحًا عَلَنًا مَكْشُوفًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست