responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 45
وَالْإِشَارَةُ تُفِيدُ الْعِنَايَةَ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَبِالْخَبَرِ. وَالتَّسْبِيبُ يَقْتَضِي أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا فِي نِعْمَةٍ فَغَيَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالنِّقْمَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَسْلُبُ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتَسَبَّبُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي زَوَالِ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [الْقَصَص: 58] .
وَهَذَا إِنْذَارٌ لِقُرَيْشٍ يَحِلُّ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ بَطِرُوا النِّعْمَةَ.
فَقَوْلُهُ: لَمْ يَكُ مُغَيِّراً مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ سُنَّةُ اللَّهِ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، لِأَنَّ نَفْيَ الْكَوْنِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ يَقْتَضِي تَجَدُّدَ النَّفْي ومنفيّه.
و «التَّغْيِير» تَبْدِيلُ شَيْءٍ بِمَا يُضَادُّهُ فَقَدْ يَكُونُ تَبْدِيلَ صُورَةِ جِسْمٍ كَمَا يُقَالُ: غَيَّرْتُ دَارِي، وَيَكُونُ تَغْيِيرَ حَالٍ وَصِفَةٍ وَمِنْهُ تَغْيِيرُ الشَّيْبِ أَيْ صِبَاغُهُ، وَكَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُخَالِفُ، فَتَغْيِيرُ النِّعْمَةِ إِبْدَالُهَا بِضِدِّهَا وَهُوَ النِّقْمَةُ وَسُوءُ الْحَالِ، أَيْ تَبْدِيلُ حَالَةٍ حَسَنَةٍ بِحَالَةٍ سَيِّئَةٍ.
وَوَصْفُ النِّعْمَةِ بِ أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّ أَصْلَ النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ.
وَمَا بِأَنْفُسِهِمْ مَوْصُولٌ وَصِلَةٌ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ مَا اسْتَقَرَّ وَعَلِقَ بهم. وَمَا صدق مَا النِّعْمَةُ الَّتِي أنعم الله عَلَيْهِمْ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُهُ: مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ وَالْمُرَادُ بِهَذَا التَّغْيِيرِ تَغْيِيرُ سَبَبِهِ. وَهُوَ الشُّكْرُ بِأَنْ يُبَدِّلُوهُ بِالْكُفْرَانِ.
ذَلِكَ أَنَّ الْأُمَمَ تَكُونُ صَالِحَةً ثُمَّ تَتَغَيَّرُ أَحْوَالُهَا بِبَطَرِ النِّعْمَةِ فَيَعْظُمُ فَسَادُهَا، فَذَلِكَ تَغْيِيرُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِصْلَاحَهُمْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ هُدَاةً لَهُمْ، فَإِذَا أَصْلَحُوا اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِمُ النِّعَمُ مِثْلَ قَوْمِ يُونُسَ وَهُمْ أَهْلُ (نِينَوَى) ، وَإِذَا كَذَّبُوا وَبَطِرُوا النِّعْمَةَ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ إِلَى عَذَابٍ وَنِقْمَةٍ. فَالْغَايَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ حَتَّى لِانْتِفَاءِ تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْأَقْوَامِ هِيَ غَايَةٌ مُتَّسِعَةٌ، لِأَنَّ الْأَقْوَامَ إِذَا غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ هُدًى أَمْهَلَهُمُ اللَّهُ زَمَنًا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ فَإِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ فَقَدْ نَبَّهَهُمْ إِلَى اقْتِرَابِ الْمُؤَاخَذَةِ ثُمَّ أَمْهَلَهُمْ مُدَّةً لِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَالنَّظَرِ فَإِذَا أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ غَيَّرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِإِبْدَالِهَا بِالْعَذَابِ أَوِ الذُّلِّ أَوِ الْأَسْرِ كَمَا فَعَلَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْأَشُورِيِّينَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 45
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست