responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 35
فَأَلْقَى اللَّهُ فِي رَوْعِ سُرَاقَةَ مِنَ الْخَوْفِ، مَا أوجب انخزاله وَجَيْشَهُ عَنْ نَصْرِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَفْسَدَ اللَّهُ كَيْدَ الشَّيْطَانِ بِمَا قَذَفَهُ اللَّهُ فِي نَفْسِ سُرَاقَةَ مِنَ الْخَوْفِ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى السَّيْرِ إِلَى إِنْقَاذِ الْعِيرِ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كِنَانَةَ مِنَ الْحَرْبِ فَكَادَ أَنْ يُثَبِّطَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ، فَلَقِيَهُمْ فِي مِسِيرِهِمْ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فِي جُنْدٍ مَعَهُ رَايَةٌ وَقَالَ لَهُمْ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ، وَإِنِّي مُجِيرُكُمْ مِنْ كِنَانَةَ، فَقَوِيَ عَزْمُ قُرَيْشٍ عَلَى الْمَسِيرِ، فَلَمَّا أَمْعَنُوا السَّيْرَ وَتَقَارَبَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَنَازِلِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، وَرَأَى سُرَاقَةُ الْجَيْشَيْنِ، نَكَصَ سُرَاقَةُ بِمَنْ مَعَهُ
وَانْطَلَقُوا، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، أَخُو أَبِي جَهْلٍ: «إِلَى أَيْنَ أَتَخْذُلُنَا فِي هَذِهِ الْحَالِ» فَقَالَ سُرَاقَةُ «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ عَزْمِ قُرَيْشٍ عَلَى الْخُرُوجِ وَالْمَسِيرِ، حَتَّى لَقُوا هَزِيمَتَهُمُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِي بَدْرٍ، وَكَانَ خُرُوجُ سُرَاقَةَ وَمَنْ مَعَهُ بِوَسْوَسَةٍ مِنَ الشَّيْطَان، لِئَلَّا ينثني قُرَيْشٌ عَنِ الْخُرُوج، وَكَانَ انخزال سُرَاقَةَ بِتَقْدِيرٍ مِنَ اللَّهِ لِيَتِمَّ نَصْرُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ خَاطِرُ رُجُوعِ سُرَاقَةَ خَاطِرًا مَلَكِيًّا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لِأَنَّ سُرَاقَةَ لَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ فِي أَنْ يُسْلِمَ مُنْذُ يَوْمِ لِقَائِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ، حِينَ شَاهَدَ مُعْجِزَةَ سَوْخِ قَوَائِمِ فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَخْذِهِ الْأَمَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَتْ لَهُ أَبْيَاتٌ خَاطَبَ بِهَا أَبَا جَهْلٍ فِي قَضِيَّتِهِ فِي يَوْمِ الْهِجْرَةِ، وَمَا زَالَ بِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَتَزْيِينُ الشَّيْطَانِ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْمَالَهُمْ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِسْنَادًا مَجَازِيًّا، وَإِنَّمَا الْمُزَيِّنُ لَهُمْ سُرَاقَةُ بِإِغْرَاءِ الشَّيْطَانِ، بِمَا سَوَّلَ إِلَى سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ مِنْ تَثْبِيتِهِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُضِيِّ فِي طَرِيقِهِمْ لِإِنْقَاذِ عِيرِهِمْ، وَأَنْ لَا يَخْشَوْا غَدْرَ كِنَانَةَ بِهِمْ، وَقِيلَ تَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ، وَلَيْسَ تَمَثُّلُ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ بِصُورَةِ سُرَاقَةَ وَجَيْشِهِ بِمَرْوِيٍّ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ سُرَاقَةَ كَانَ بِوَسْوَسَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الشَّيْطَانِ أُطْلِقَ عَلَى سُرَاقَةَ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ كَمَا يَقُولُونَ: فُلَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْعَرَبِ وَيَجُوزُ أَنْ يكون إِسْنَادًا حَقِيقا أَيْ زَيَّنَ لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ بِخَوَاطِرِ وَسْوَسَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِسْنَاد قَوْله: لَا غالِبَ لَكُمُ إِلَيْهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ بِاعْتِبَارِ صُدُورِ الْقَوْلِ وَالنُّكُوصِ مِنْ سُرَاقَةَ الْمُتَأَثِّرِ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 35
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست