responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 30
وَقَدْ تَقَدَّمَ اللِّقَاءُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْأَنْفَال: 15] وَبِهَذَا الْمَعْنَى تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِئَةِ: فِئَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ فِئَةُ الْعَدُوِّ، يَعْنِي الْمُشْركين.
و «الفئة» الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اشْتِقَاقُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [249] .
وَالثَّبَاتُ: أَصْلُهُ لُزُومُ الْمَكَانِ دُونَ تَحَرُّكٍ وَلَا تَزَلْزُلٍ، وَيُسْتَعَارُ لِلدَّوَامِ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِيهِ، وَقَدْ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ التَّحَرُّكِ، بَلْ أُرِيدَ الدَّوَامُ عَلَى الْقِتَالِ وَعَدَمِ الْفِرَارِ، وَقَدْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالصَّبْرِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا
وَذِكْرُ اللَّهِ، الْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا: هُوَ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ الْقَلْبِ، وَزِيَادَةً فَإِنَّهُ إِذَا ذَكَرَ بِلِسَانِهِ فَقَدْ ذَكَرَ بِقَلْبِهِ وَبِلِسَانِهِ، وَسَمِعَ الذِّكْرَ بِسَمْعِهِ، وَذَكَّرَ مَنْ يَلِيهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ، فَفِيهِ فَوَائِدُ زَائِدَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْقَلْبِ الْمُجَرَّدِ، وَقَرِينَةُ إِرَادَةِ ذِكْرِ اللِّسَانِ ظَاهِرُ وَصفه ب «كثير» لِأَنَّ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ يُوصَفُ بِالْقُوَّةِ، وَالْمَقْصُودُ تَذَكُّرُ أَنَّهُ النَّاصِرُ. وَهَذَانِ أَمْرَانِ أُمِرُوا بِهِمَا وَهُمَا يَخُصَّانِ الْمُجَاهِدَ فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فَهُمَا لِإِصْلَاحِ الْأَفْرَادِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَعْمَالٍ رَاجِعَةٍ إِلَى انْتِظَامِ جَيْشِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَهِيَ عَلَائِقُ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَهِيَ الطَّاعَةُ وَتَرْكُ التَّنَازُعِ، فَأَمَّا طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَتَشْمَلُ اتِّبَاعَ سَائِرِ أَحْكَامِ الْقِتَالِ الْمَشْرُوعَةِ بِالتَّعْيِينِ، مِثْلَ الْغَنَائِمِ. وَكَذَلِكَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آرَاءِ الْحَرْبِ،
كَقَوْلِهِ لِلرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ: «لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ وَلَوْ تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ»
. وَتَشْمَلُ طَاعَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَاعَةَ أُمَرَائِهِ فِي حَيَاتِهِ،
لِقَوْلِهِ: «وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي»
وَتَشْمَلُ طَاعَةَ أُمَرَاءِ الْجُيُوشِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُسَاوَاتِهِمْ لِأُمَرَائِهِ الْغَائِبِينَ عَنْهُ فِي الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا فِي حُكْمِ الْغَيْبَةِ عَنْ شَخْصِهِ.
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ التَّنَازُعِ فَهُوَ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِتَحْصِيلِ أَسْبَابِ ذَلِكَ: بِالتَّفَاهُمِ وَالتَّشَاوُرِ، وَمُرَاجَعَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْ رَأْيٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَجَعُوا إِلَى أُمَرَائِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ [النِّسَاء: 83] . وَقَوْلِهِ:
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النِّسَاء: 59] . وَالنَّهْيُ عَنِ التَّنَازُعِ أَعَمُّ مِنَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 30
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست