responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 257
فَكَافُ التَّشْبِيهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الْخِطَابِ، تَقْدِيرُهُ:
أَنْتُمْ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَوِ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: فَعَلْتُمْ كَفِعْلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الدَّالِّ عَلَى فِعْلِهِ، وَمِثْلُهُ فِي حَذْفِ الْفِعْلِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ مَفْعُولُ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
حَتَّى إِذَا الْكَلَّابُ قَالَ لَهَا ... كَالْيَوْمِ مَطْلُوبًا وَلَا طَالِبَا
أَرَادَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ، إِلَّا أَنَّ عَامِلَ النَّصْبِ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْبَيْتِ.
وَقِيلَ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمَقُولِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يُبَلِّغَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ [التَّوْبَة: 65] الْآيَةَ. فَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا بِقَوْلِهِ:
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [التَّوْبَة: 67] إِلَخْ فَضَمِيرُ الْخِطَابِ لَهُمْ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِدُونِ الْتِفَاتِ وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ لِتَشْبِيهِ حَالِهِمْ فِي مَصِيرِهِمْ إِلَى النَّارِ.
وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ وَأَجْمَعُ لِلْأُمَمِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِثْلَ عَادٍ وَثَمُودَ مِمَّنْ ضَرَبَ الْعَرَبُ بِهِمُ الْمَثَلَ فِي الْقُوَّةِ.
وأَشَدَّ مَعْنَاهُ أَقْوَى، وَالْقُوَّةُ هُنَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّعْبَةِ كَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت: 15] أَوْ يُرَادُ بِهَا الْعِزَّةُ وَعُدَّةُ الْغَلَبِ بِاسْتِكْمَالِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى أُوقِعَتِ الْقُوَّةُ تَمْيِيزَ الْ أَشَدَّ كَمَا أُوقِعَتْ مُضَافًا إِلَيْهِ شَدِيدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النَّجْم: 5] .
وَكَثْرَةُ الْأَمْوَالِ لَهَا أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا طِيبُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ وَرَعْيُ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ، وَمِنْهَا وَفْرَةُ التِّجَارَةِ بِحُسْنِ مَوْقِعِ الْمَوْطِنِ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْأُمَمِ، وَمِنْهَا الِاقْتِرَابُ مِنَ الْبِحَارِ لِلسَّفَرِ إِلَى الْأَقْطَارِ وَصَيْدِ الْبَحْرِ، وَمِنْهَا اشْتِمَالُ الْأَرْضِ عَلَى الْمَعَادِنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَوَادِّ الصِّنَاعِيَّةِ وَالْغِذَائِيَّةِ مِنَ النَّبَاتِ، كَأَشْجَارِ التَّوَابِلِ وَلِحَاءِ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالزَّرَارِيعِ وَالزُّيُوتِ.
وَكَثْرَةُ الْأَوْلَادِ تَأْتِي مِنَ الْأَمْنِ بِسَبَبِ بَقَاءِ الْأَنْفُسِ، وَمِنَ الْخِصْبِ الْمُؤَثِّرِ قُوَّةُ الْأَبْدَانِ وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْمَجَاعَاتِ الْمُعَقِّبَةِ لَلْمُوتَانِ، وَمِنْ حُسْنِ الْمُنَاخِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الْمُهْلِكَةِ، وَمِنَ الثَّرْوَةِ بِكَثْرَةِ الْأَزْوَاجِ وَالسَّرَارِي وَالْمَرَاضِعِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست