responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 248
وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ. فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِأَنَّهُ يُظْهِرُ سِرَّهُمُ الَّذِي حَذِرُوا ظُهُورَهُ. وَفِي قَوْله:
اسْتَهْزِؤُا دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، أَيْ هُمْ يُظْهِرُونَ ذَلِكَ يُرِيدُونَ بِهِ إِيهَامَ الْمُسْلِمِينَ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ وَمَا هُمْ إِلَّا مُسْتَهْزِئُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا فِي قُلُوبِهِمُ الْكُفْرَ لِأَنَّهُمْ لَا يُظْهِرُونَ أَنَّ ذَلِكَ مَفْرُوضٌ فَفِعْلُ يَحْذَرُ فَأُطْلِقَ عَلَى التَّظَاهُرِ بِالْحَذَرِ، أَيْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِعَلَاقَةِ الصُّورَةِ، وَالْقَرِينَةُ قَوْله: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْحَذَرِ الْحَقِّ وَبَيْنَ الِاسْتِهْزَاءِ لَوْلَا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمَّا كَانُوا مُبْطِنِينَ الْكُفْرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمُ الْحَذَرُ مِنْ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِكَشْفِ مَا فِي ضَمَائِرِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ فَتَعَيَّنَ صَرْفُ فِعْلِ يَحْذَرُ إِلَى مَعْنَى: يَتَظَاهَرُونَ بِالْحَذَرِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ إِطْلَاقُ الْفِعْلِ عَلَى التَّظَاهُرِ بِمَدْلُولِهِ مِنْ غَرَائِبِ الْمَجَازِ. وَتَأَوَّلَ الزَّجَّاجُ الْآيَةَ بِأَنَّ يَحْذَرُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْرِ، أَيْ لِيَحْذَرَ.
وَعَلَى تَأْوِيلِهِ تَكُونُ جملَة قُلِ اسْتَهْزِؤُا اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِجُمْلَةِ يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ. وَلَهُمْ وُجُوهٌ أُخْرَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بَعِيدَةٌ عَنْ مَهْيَعِهَا، ذَكَرَهَا الْفَخْرُ.
وَضَمِيرَا عَلَيْهِمْ وتُنَبِّئُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَا إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ وَمَعَادِهَا. وَتَكُونُ (عَلَى) بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ أَيْ تَنْزِلُ لِأَجْلِ أَحْوَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ [الْبَقَرَة: 185] .
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، وَتَكُونُ تَعْدِيَةُ تُنَبِّئُهُمْ إِلَى ضَمِيرِ الْمُنَافِقِينَ: عَلَى نَزْعِ الْخَافِض، أَي تنبيء عَنْهُم، أَي تنبىء الرَّسُولَ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَاءُ تُنَبِّئُهُمْ تَاءَ الْخِطَابِ، وَالْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: تُنَبِّئُهُمْ أَنْتَ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ فِي مَحَلِّ الصِّفَةِ لِ سُورَةٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تُنَبِّئُهُمْ بِهَا، وَهَذَا وَصْفٌ لِلسُّورَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا فِي اعْتِقَادِ الْمُنَافِقِينَ، فَمَوْقِعُ جُمْلَةِ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ اسْتِطْرَادٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرَانِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَضُرُّ تَخَالُفُ الضَّمِيرَيْنِ مَعَ ضَمِيرِ قُلُوبِهِمْ الَّذِي هُوَ لِلْمُنَافِقِينَ لَا مَحَالَةَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَرُدُّ كُلَّ ضَمِيرٍ إِلَى مَا يَلِيقُ بِأَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 248
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست