responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 242
وَالْأُذُنُ الْجَارِحَةُ الَّتِي بِهَا حَاسَّةُ السَّمْعِ. وَمَعْنَى هُوَ أُذُنٌ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ آلَةُ سَمْعٍ.
وَالْإِخْبَارُ بِ هُوَ أُذُنٌ مِنْ صِيغِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ كَالْأُذُنِ فِي تَلَقِّي الْمَسْمُوعَاتِ لَا يَرُدُّ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَصْدِيقِهِ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ مِنْ دُونِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْمَقْبُولِ وَالْمَرْدُودِ.
رُوِيَ أَنَّ قَائِلَ هَذَا هُوَ نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَحَدُ الْمُنَافِقِينَ.
وَجُمْلَةُ: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ جُمْلَةُ قُلْ مستأنفة استينافا ابْتِدَائِيًّا، عَلَى طَرِيقَةِ الْمُقَاوَلَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ، لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ بِقَلْبِ مَقْصِدِهِمْ إِغَاظَةً لَهُمْ، وَكَمْدًا لِمَقَاصِدِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ الَّذِي يَحْمِلُ فِيهِ الْمُخَاطَبُ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُهُ، تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْلَى بِأَنْ يُرَادَ، وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [الْبَقَرَة: 189] وَمِنْهُ مَا جَرَى بَيْنَ الْحَجَّاجِ وَالْقَبَعْثَرِيِّ إِذْ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ مُتَوَعِّدًا إِيَّاهُ «لَأَحْمِلَنَّكَ عَلَى الْأَدْهَمِ (أَرَادَ لَأَلْزِمْنَكَ الْقَيْدَ لَا تُفَارِقُهُ) فَقَالَ الْقَبَعْثَرَى:
«مِثْلُ الْأَمِيرِ يُحْمِلُ عَلَى الْأَدْهَمِ وَالْأَشْهَبِ» فَصَرَفَ مُرَادَهُ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَمْلِ مَعْنَى الرُّكُوبِ وَإِلَى إِرَادَةِ الْفَرَسِ الَّذِي هُوَ أَدْهَمُ اللَّوْنِ مِنْ كَلِمَةِ الْأَدْهَمِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرَةِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْقِبُهُ بِالرَّدِّ وَالزَّجْرِ، كَمَا أَعْقَبَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي [التَّوْبَة: 49] . إِلَى هُنَا بَلْ أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ بُطْلَانِهِ فَأَمَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَلِّغَهُمْ مَا هُوَ إِبْطَالٌ لِزَعْمِهِمْ مِنْ أَصْلِهِ بِصَرْفِ مَقَالَتِهِمْ إِلَى مَعْنًى لَائِقٍ بِالرَّسُولِ، حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْمَحْكِيِّ أَثَرٌ، وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ.
وَمَعْنَى أُذُنُ خَيْرٍ أَنَّهُ يَسْمَعُ مَا يَبْلُغُهُ عَنْكُمْ وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ وَيَسْمَعُ مَعَاذِيرَكُمْ وَيَقْبَلُهَا مِنْكُمْ، فَقَبُولُهُ مَا يَسْمَعُهُ يَنْفَعُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ فَهَذَا أذن فِي الْخَبَر، أَيْ فِي سَمَاعِهِ وَالْمُعَامَلَةِ بِهِ وَلَيْسَ أُذُنًا فِي الشَّرِّ.
وَهَذَا الْكَلَامُ إِبْطَالٌ لِأَنْ يَكُونَ أُذُنٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ مِنَ الذَّمِّ فَإِنَّ الْوَصْفَ بِالْأُذُنِ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ يَقْبَلُ الْكَلَامَ الْمُفْضِي إِلَى شَرٍّ بَلْ هُوَ أَعَمُّ، فَلِذَلِكَ صَحَّ تَخْصِيصُهُ هُنَا بِمَا فِيهِ خَيْرٌ. وَهَذَا إِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ. وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْكَ بِأَنَّ وَصْفَ أُذُنٌ إِذَا كَانَ مَقْصُودًا بِهِ الذَّمُّ كَيْفَ يُضَافُ إِلَى الْخَيْرِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الذَّمِّ فِي هَذَا الْوَصْفِ هُوَ قَبُولُ كُلِّ مَا يَسْمَعُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 242
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست