responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 24
وَمَعْنَى: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ أَنَّهُ لَوْ أَرَاكَهُمْ رُؤْيَا مُمَاثِلَةً لِلْحَالَةِ الَّتِي تُبْصِرُهَا الْأَعْيُنُ لَدَخَلَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ الْفَشَلُ، أَيْ إِذَا حَدَّثَهُمُ النَّبِيءُ بِمَا رَأَى، فَأَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ نُفُوسَهُمْ هَلَعٌ، وَإِنْ كَانَ النَّصْرُ مَضْمُونًا لَهُمْ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا يَقْتَضِي أنّ الإراءة كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَلِمَ يَتْرُكِ اللَّهُ إِرَاءَتَهُ جَيْشَ الْعَدُوِّ فَلَا تَكُونَ حَاجَةٌ إِلَى تَمْثِيلِهِمْ بِعَدَدٍ قَلِيلٍ، قُلْتُ: يَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَا أَنْ يَرَى رُؤْيَا تَكْشِفُ لَهُ عَنْ حَالِ الْعَدُوِّ، فَحَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ، وَجَنَّبَهُ مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى كَدَرِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَعَلَّ الْمُسْلِمِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْلِمَ رَبَّهُ عَنْ حَالِ الْعَدُوِّ.
وَالْفَشَلُ: الْجُبْنُ وَالْوَهَنُ. وَالتَّنَازُعُ: الِاخْتِلَافُ. وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْخُطَّةُ الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ مِنْ ثَبَاتٍ أَوِ انْجِلَاءٍ عَنِ الْقِتَالِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْرِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ أَمْرُ الْقِتَالِ وَمَا يَقْتَضِيهِ.
وَالِاسْتِدْرَاكُ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فِي جُمْلَةِ: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً مِنَ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْعَدُوَّ كَثِيرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الرُّؤْيَا قَدْ تُحَاكِي الصُّورَةَ الَّتِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي مَرَائِي الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ تُحَاكِي الْمَعْنَى الرَّمْزِيَّ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي مِرَائِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، مِثْلَ رُؤْيَا مَلِكِ مِصْرَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ، وَرُؤْيَا صَاحِبَيْ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ، وَهُوَ الْقَلِيلُ فِي مِرَائِي الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ رُؤْيَا النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ هَزَّ سَيْفًا فَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ، فَمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ رَفْعُ مَا فُرِضَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً. فَمَفْعُولُ سَلَّمَ وَمُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفَانِ إِيجَازًا إِذْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ وَالتَّقْدِيرُ: سَلَّمَكُمْ مِنَ الْفَشَلِ وَالتَّنَازُعِ بِأَنْ سَلَّمَكُمْ مِنْ سَبَبِهِمَا، وَهُوَ إِرَاءَتُكُمْ وَاقِعَ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى كَثْرَةِ الْعَدُوِّ يُلْقِي فِي النُّفُوسِ تَهَيُّبًا لَهُ وَتَخَوُّفًا مِنْهُ، وَذَلِكَ يُنْقِصُ شَجَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوَفِّرَ لَهُمْ مُنْتَهَى الشَّجَاعَةِ.
وَوُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَلَكِنَّهُ سَلَّمَ، لِقَصْدِ زِيَادَةِ إِسْنَادِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ بِعِنَايَتِهِ، وَاهْتِمَامًا بِهَذَا الْحَادِثِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست