responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 216
[سُورَة التَّوْبَة (9) : آيَة 47]
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِجُمْلَةِ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التَّوْبَة: 46] لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ مِنْ كَرَاهِيَةِ اللَّهِ انْبِعَاثَهُمْ، وَهِيَ إِرَادَةُ اللَّهِ سَلَامَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَضْرَارِ وُجُودِ هَؤُلَاءِ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُضْمِرُونَ الْمَكْرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُونَ مُرْغَمِينَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي جَيْشٍ يَغْزُو بِدُونِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ (الْخُرُوجِ) بِفِي شَائِعَةٌ فِي الْخُرُوجِ مَعَ الْجَيْشِ.
وَالزِّيَادَةُ: التَّوْفِيرُ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ زادُوكُمْ لِدَلَالَةِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، أَيْ مَا زَادُوكُمْ قُوَّةً أَوْ شَيْئًا مِمَّا تُفِيدُ زِيَادَتُهُ فِي الْغَزْوِ نَصْرًا عَلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ اسْتُثْنِيَ مِنَ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ الْخَبَالُ عَلَى طَرِيقَةِ
التَّهَكُّمِ بِتَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ فَإِنَّ الْخَبَالَ فِي الْحَرْبِ بَعْضٌ مِنْ عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِي قُوَّةِ الْجَيْشِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ عَدَمًا لِلزِّيَادَةِ، وَلَكِنَّهُ ادُّعِيَ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الزِّيَادَةِ فِي فَوَائِدِ الْحَرْبِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ النَّفْيِ، عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
وَالْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَتَفَكُّكُ الشَّيْءِ الْمُلْتَحِمِ الْمُلْتَئِمِ، فَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى اضْطِرَابِ الْجَيْشِ وَاخْتِلَالِ نظامه.
وَحَقِيقَة لَأَوْضَعُوا أَسْرَعُوا سَيْرَ الرِّكَابِ. يُقَالُ: وَضَعَ الْبَعِيرُ وَضْعًا، إِذَا أَسْرَعَ وَيُقَالُ: أَوْضَعْتُ بَعِيرِي، أَيْ سَيَّرْتُهُ سَيْرًا سَرِيعًا. وَهَذَا الْفِعْلُ مُخْتَصٌّ بِسَيْرِ الْإِبِلِ فَلِذَلِكَ يُنَزَّلُ فِعْلُ أَوْضَعَ مَنْزِلَةَ الْقَاصِرِ لِأَنَّ مَفْعُولَهُ مَعْلُومٌ مِنْ مَادَّةِ فِعْلِهِ. وَهُوَ هُنَا تَمْثِيلٌ لِحَالَةِ الْمُنَافِقِينَ حِينَ يَبْذُلُونَ جُهْدَهُمْ لِإِيقَاعِ التَّخَاذُلِ وَالْخَوْفِ بَيْنَ رِجَالِ الْجَيْشِ، وَإِلْقَاءِ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ عَنْ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، بِحَالِ مَنْ يُجْهِدُ بَعِيرَهُ بِالسَّيْرِ لِإِبْلَاغِ خَبَرٍ مُهِمٍّ أَوْ إِيصَالِ تِجَارَةٍ لِسُوقٍ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الْإِسْرَاء: 5] وَقَوْلُهُ:
وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ [الْمَائِدَة: 62] . وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: يَسْعَى لِكَذَا، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَاعَ إِطْلَاقُ السَّعْيِ فِي الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ خَفِيَتْ مُلَاحَظَةُ تَمْثِيلِ الْحَالَةِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ هُنَا ذِكْرُ الْإِيضَاعِ لِعِزَّةِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الصَّلَاحِيَةِ لِتَفْكِيكِ الْهَيْئَةِ بِأَنْ يُشَبَّهَ الْفَاتِنُونَ بِالرَّكْبِ، وَوَسَائِلُ الْفِتْنَةِ بِالرَّوَاحِلِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست