responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 209
وَتَعْدِيَةُ بَعُدَتْ- بِحَرْفِ (عَلَى) لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى ثَقُلَتْ، وَلِذَلِكَ حَسُنَ الْجَمْعُ بَيْنَ فِعْلِ بَعُدَتْ وَفَاعِلِهِ الشُّقَّةُ مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَكِنْ بَعُدَ مِنْهُمُ الْمَكَانُ لِأَنَّهُ شُقَّةٌ، فَثَقُلَ عَلَيْهِمُ السَّفَرُ، فَجَاءَ الْكَلَامُ مُوجَزًا.
وَقَوْلُهُ: وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِنَّ حِلِفَهُمْ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ حِينَ اسْتَشْعَرُوا أَنَّ الرَّسُولَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ظَانٌّ كَذِبَهُمْ فِي أَعْذَارِهِمْ.
وَالِاسْتِطَاعَةُ الْقُدْرَةُ: أَيْ لَسْنَا مُسْتَطِيعِينَ الْخُرُوجَ، وَهَذَا اعْتِذَارٌ مِنْهُمْ وَتَأْكِيدٌ لِاعْتِذَارِهِمْ.
وَجُمْلَةُ لَخَرَجْنا مَعَكُمْ جَوَابُ لَوْ.
وَالْخُرُوجُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْمَقَرِّ إِلَى مَكَان آخر قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَيُعَدَّى إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ بِ (إِلَى) ، وَإِلَى الْمَكَانِ الْمَتْرُوكِ بِ (مِنْ) ، وَشَاعَ إِطْلَاقُ الْخُرُوجِ عَلَى السَّفَرِ لِلْغَزْوِ.
وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَعِيَّةِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَمْرَ الْغَزْوِ لَا يَهُمُّهُمُ ابْتِدَاءً، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ لَوْ خَرَجُوا إِجَابَةً لِاسْتِنْفَارِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُرُوجَ النَّاصِرِ لِغَيْرِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: خَرَجَ بَنُو فُلَانٍ وَخَرَجَ مَعَهُمْ بَنُو فُلَانٍ، إِذَا كَانُوا قَاصِدِينَ نَصْرَهُمْ.
وَجُمْلَةُ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ حَالٌ، أَيْ يَحْلِفُونَ مُهْلِكِينَ أَنْفُسَهُمْ، أَيْ مَوْقِعِينَهَا فِي الْهَلَكِ. وَالْهَلَكُ: الْفَنَاءُ وَالْمَوْتُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَضْرَارِ الْجَسِيمَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا، أَيْ يَتَسَبَّبُونَ فِي ضَرِّ أَنْفُسِهِمْ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، وَهُوَ ضَرُّ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْآخِرَةِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُفْضِي إِلَى الْهَلَاكِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ خَبَرِ الْهَذَلِيِّينَ الَّذِينَ حَلَفُوا أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَتَعَمَّدُوا الْكَذِبَ، فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَدَخَلُوا غَارًا فِي جبل فانهجم عَلَيْهِمُ الْغَارُ فَمَاتُوا جَمِيعًا.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ حَالٌ، أَيْ هُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ عَدَمِ جَدْوَاهُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كَذِبَهُمْ، أَيْ وَيُطْلِعُ رَسُولَهُ عَلَى كَذِبِهِمْ، فَمَا جَنَوْا مِنَ الْحَلِفِ إِلَّا هَلَاكَ أَنْفُسِهِمْ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ سَدَّتْ مَسَدَّ مفعولي يَعْلَمُ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست