responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 20
وَقَدْ ظَهَرَ مَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا إِذِ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ لَمْ تَتَوَاعَدُوا وَجِئْتُمْ عَلَى غَيْرِ اتِّعَادٍ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَيْ لِيُحَقِّقَ وَيُنْجِزَ مَا أَرَادَهُ مِنْ نَصْرِكُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَلَمَّا كَانَ تَعْلِيلُ الِاسْتِدْرَاك المفاد بلكن قَدْ وَقَعَ بِفِعْلٍ مُسْنَدٍ إِلَى اللَّهِ كَانَ مُفِيدًا أَنَّ مَجِيئَهُمْ إِلَى الْعُدْوَتَيْنِ عَلَى غَيْرِ تَوَاعُدٍ كَانَ بِتَقْدِيرٍ مِنَ اللَّهِ عِنَايَةً بِالْمُسْلِمِينَ.
وَمَعْنَى أَمْراً هُنَا الشَّيْءُ الْعَظِيمُ، فَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، أَوْ يُجْعَلُ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَهُمْ لَا يُطْلِقُونَ (الْأَمْرَ) بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا عَلَى شَيْءٍ مُهِمٍّ، وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا سمّي (أمرا) لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِمَّا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا [مَرْيَم: 21] وَقَوْلِهِ:
وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الْأَحْزَاب: 38] .
وكانَ تَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ ثُبُوتِ مَعْنَى خَبَرِهَا لِاسْمِهَا مِنَ الْمَاضِي مِثْلَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
[الرّوم: 47] أَيْ ثَبَتَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْحَقِّيَّةِ عَلَيْنَا من قديم الزَّمن. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا [مَرْيَم: 21] . فَمَعْنَى كانَ مَفْعُولًا أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يُفْعَلُ. فَاشْتُقَّ لَهُ صِيغَةُ مَفْعُولٍ مِنْ فَعَلَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ حِينَ قُدِّرَتْ مَفْعُولِيَّتُهُ فَقَدْ صَارَ كَأَنَّهُ فُعِلَ، فَوُصِفَ لِذَلِكَ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِتَسَلُّطِ الْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَا فِي الِاسْتِقْبَالِ.
فَحَاصِلُ الْمَعْنَى: لِيُنْجِزَ اللَّهُ وَيُوقِعَ حَدَثًا عَظِيمًا مُتَّصِفًا مُنْذُ الْقِدَمِ بِأَنَّهُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ عِنْدَ إِبَّانِهِ، أَيْ حَقِيقًا بِأَنْ يُفْعَلَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ فُعِلَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مَا يَحُفُّ بِهِ مِنَ الْمَوَانِعِ الْمُعْتَادَةِ.
وَجُمْلَةُ: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ فِي مَوْضِعِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِأَنَّ الْأَمْرَ هُوَ نَصْرُ الْمُسْلِمِينَ وَقَهْرُ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى إِهْلَاكِ الْمَهْزُومِينَ وَإِحْيَاءِ الْمَنْصُورِينَ وَحَفَّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى عِنَايَةِ اللَّهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِهَانَتِهِ الْمُشْرِكِينَ مَا فِيهِ بَيِّنَةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ تَقْطَعُ عُذْرَ الْهَالِكِينَ، وَتَقْتَضِي شُكْرَ الْأَحْيَاءِ. وَدُخُولُ لَامِ التَّعْلِيلِ على فعل لِيَهْلِكَ تَأْكِيدٌ لِلَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لِيَقْضِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهَا. وَلَوْ لَمْ تَدْخُلِ اللَّامُ لَقِيلَ: يَهْلِكُ مَرْفُوعًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 20
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست