responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 181
مُسَاعِدٌ عَلَى اتِّخَاذِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ مَوَاقِيتَ لِلْمَوَاعِيدِ وَالْآجَالِ، وَتَارِيخِ الْحَوَادِثِ الْمَاضِيَةِ، بِمُجَرَّدِ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنَّ الْقَمَرَ كُرَةٌ تَابِعَةٌ لِنِظَامِ الْأَرْضِ. قَالَ تَعَالَى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يُونُس: 5] وَلِأَنَّ الِاسْتِنَادَ إِلَى الْأَحْوَالِ السَّمَاوِيَّةِ أَضْبَطُ وَأَبْعَدُ عَنِ الْخَطَأِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهَا أَيْدِي النَّاسِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَمَا حَدَثَتِ الْأَشْهُرُ الشَّمْسِيَّةُ وَسَنَتُهَا إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عِلْمِ الْفَلَكِ وَالْمِيقَاتِ، فَانْتَفَعَ النَّاسُ بِنِظَامِ سَيْرِ الشَّمْسِ فِي ضَبْطِ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ،
وَجَعَلُوهَا حِسَابًا لِتَوْقِيتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ لَهَا إِلَّا بَعْضُ الْفُصُولِ، مِثْلَ الْحَرْثِ وَالْحَصَادِ وَأَحْوَالِ الْمَاشِيَةِ، وَقَدْ كَانَ الْحِسَابُ الشَّمْسِيُّ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْقِبْطِ وَالْكَلْدَانِيِّينَ، وَجَاءَتِ التَّوْرَاةُ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ الْقَمَرِيَّةِ لِلْأَشْهُرِ، وَتَعْيِينِ الشَّمْسِيَّةِ لِلْأَعْيَادِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَعْيَادَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى التَّحْسِينِ، فَأَمَّا ضَبْطُ الْأَشْهُرِ.
فَيَرْجِعُ إِلَى الْحَاجِيِّ. فَأَلْهَمَ اللَّهُ الْبَشَرَ، فِيمَا أَلْهَمَهُمْ مِنْ تَأْسِيسِ أُصُولِ حَضَارَتِهِمْ، أَنِ اتَّخَذُوا نِظَامًا لِتَوْقِيتِ أَعْمَالِهِمُ الْمُحْتَاجَةِ لِلتَّوْقِيتِ، وَأَنْ جَعَلُوهُ مُسْتَنِدًا إِلَى مُشَاهَدَاتٍ بَيِّنَةٍ وَاضِحَةٍ لِسَائِرِ النَّاسِ، لَا تَنْحَجِبُ عَنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا فِي قَلِيلٍ، ثُمَّ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَلُوحَ لَهُمْ وَاضِحَةٌ بَاهِرَةٌ، وَأَلْهَمَهُمْ أَنِ اهْتَدَوْا إِلَى ظَوَاهِرَ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ لَهُ نِظَامًا مُطَّرِدًا. وَذَلِكَ كَوَاكِبُ السَّمَاءِ وَمَنَازِلُهَا، كَمَا قَالَ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ [يُونُس: 5] ، وَأَنْ جَعَلُوا تَوْقِيتَهُمُ الْيَوْمِيَّ مُسْتَنِدًا إِلَى ظُهُورِ نُورِ الشَّمْسِ وَمَغِيبِهِ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ عَلَى نِظَامٍ لَا يَتَغَيَّرُ، وَلِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ تُنَظَّمُ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ، وَجَعَلُوا تَوْقِيتَهُمُ الشَّهْرِيَّ بِابْتِدَاءِ ظُهُورِ أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْقَمَرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى هِلَالًا إِلَى انْتِهَاءِ مِحَاقِهِ فَإِذَا عَادَ إِلَى مِثْلِ الظُّهُورِ الْأَوَّلِ فَذَلِكَ ابْتِدَاءُ شَهْرٍ آخَرَ، وَجَعَلُوا مَرَاتِبَ أَعْدَادِ أَجْزَاءِ الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالشَّهْرِ مُرَتَّبَةً بِتَزَايُدِ ضَوْءِ النِّصْفِ الْمُضِيءِ مِنَ الْقَمَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَبِإِعَانَةِ مَنَازِلِ ظُهُورِ الْقَمَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ حَذْوَ شَكْلٍ مِنَ النُّجُومِ سَمَّوْهُ بِالْمَنَازِلِ. وَقَدْ وَجَدُوا ذَلِكَ عَلَى نِظَامٍ مُطَّرِدٍ، ثُمَّ أَلْهَمَهُمْ فَرَقَبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي عَادَ فِيهَا الثَّمَرُ أَوِ الْكلأ الَّذِي ابتدأوا فِي مِثْلِهِ الْعَدَّ وَهِيَ أَوْقَاتُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ، فَوَجَدُوهَا قَدِ احْتَوَتْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَسَمَّوْا تِلْكَ الْمُدَّةَ عَامًا، فَكَانَتِ الْأَشْهُرُ لِذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَعُودُ إِلَى مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَأُوا فِيهِ الْحِسَابَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَدَعَوْهَا بِأَسْمَاءٍ لِتَمْيِيزِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ دَفْعًا لِلْغَلَطِ، وَجَعَلُوا لِابْتِدَاءِ السِّنِينَ بِالْحَوَادِثِ عَلَى حَسَبِ اشْتِهَارِهَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست