responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 166
لَا جَرَمَ أَنَّ الَّذِينَ يَسْتَبِيحُونَهُ دَلُّوا عَلَى فَسَادِ عُقُولِهِمْ فَكَانُوا أَهْلًا لِرَدْعِهِمْ عَنْ بَاطِلِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ شَامِلٌ لِكُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ الضَّرُورِيَّاتِ كَحِفْظِ النَّفْسِ وَالنَّسَبِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَالْمُشْرِكُونَ لَا يُحَرِّمُونَ ذَلِك.
وَالْمرَاد (بِرَسُولِهِ) مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ مُتَعَارَفُ الْقُرْآنِ وَلَوْ أُرِيدَ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ لَقَالَ وَرُسُلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ إِلَّا مَا هُوَ حَقِيقٌ بِالتَّحْرِيمِ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ تَهْيِئَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنْ يَغْزُوا الرُّومَ وَالْفُرْسَ وَمَا بَقِيَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَسْتَظِلُّونَ بِنَصْرِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ مِثْلِ قُضَاعَةَ وَتَغْلِبَ بِتُخُومِ الشَّامِ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.
وحَتَّى غَايَةٌ لِلْقِتَالِ، أَيْ يَسْتَمِرُّ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.
وَضَمِيرُ يُعْطُوا عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
وَالْجِزْيَةَ اسْمٌ لِمَالٍ يُعْطِيهِ رِجَالُ قَوْمٍ جَزَاءً عَلَى الْإِبْقَاءِ بِالْحَيَاةِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ، بُنِيَتْ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْهَيْئَةِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ فِي اعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ هُنَا، فَلِذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ. هَذَا الِاسْمِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ عَنْ كَلِمَةِ (كِزْيَتْ) بِالْفَارِسِيَّةِ بِمَعْنَى الْخَرَاجِ نَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ عَنِ الْخُوَارَزْمِيِّ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا الرَّاغِبُ فِي «مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ» . وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِي «مُعَرَّبِ الْقُرْآنِ» لِوُقُوعِ التَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَادَّةَ الِاشْتِقَاقِ الْعَرَبِيِّ صَالِحَةً فِيهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةَ الْمَعْنَى لِلَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بَيْنَهُمْ وَلِذَلِكَ عُرِّفَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَوْلُهُ: عَنْ يَدٍ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى يُعْطُوا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وعَنْ فِيهِ لِلْمُجَاوَزَةِ. أَيْ يَدْفَعُوهَا بِأَيْدِيهِمْ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِرْسَالُهَا وَلَا الْحَوَالَةُ فِيهَا، وَمَحَلُّ الْمَجْرُورِ الْحَالُ مِنَ الْجِزْيَةِ. وَالْمُرَادُ يَدُ الْمُعْطِي أَيْ يُعْطُوهَا غَيْرَ مُمْتَنِعِينَ وَلَا مُنَازِعِينَ فِي إِعْطَائِهَا وَهَذَا كَقَوْلِ الْعَرَبِ «أَعْطَى بِيَدِهِ» إِذَا انْقَادَ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ صاغِرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُعْطُوا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 166
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست