responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 160
وَالنَّجَاسَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ: هِيَ اعْتِبَارُ صَاحِبِ وَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ مُحَقَّرًا مُتَجَنَّبًا مِنَ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِفَضْلٍ مَا دَامَ مُتَلَبِّسًا بِالصِّفَةِ الَّتِي جَعَلَتْهُ كَذَلِكَ، فَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لِأَجْلِ عَقِيدَةِ إِشْرَاكِهِ، وَقَدْ يَكُونُ جَسَدُهُ نَظِيفًا مُطَيَّبًا لَا يَسْتَقْذِرُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مُسْتَقْذَرُ الْجَسَدِ مُلَطَّخًا بِالنَّجَاسَاتِ لِأَنَّ دِينَهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ التَّطَهُّرُ، وَلَكِنْ تَنَظُّفُهُمْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَوَائِدِهِمْ وَبِيئَتِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ تَحْقِيرُهُمْ وَتَبْعِيدُهُمْ عَنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَاثَةَ الِاعْتِقَادِ أَدْنَى بِصَاحِبِهَا إِلَى التَّحْقِيرِ مِنْ قَذَارَةِ الذَّاتِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ عَلَى الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَ انْخِلَاعًا عَنْ تِلْكَ الْقَذَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالطِّهَارَةِ الْحِسِّيَّةِ لِإِزَالَةِ خَبَاثَةِ نَفْسِهِ، وَإِنَّ طِهَارَةَ الْحَدَثِ لَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا.
وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى نَجَاسَتِهِمْ بِالشِّرْكِ الْمَنْعَ مِنْ أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، أَيِ الْمَنْعَ مِنْ حُضُورِ مَوْسِمِ الْحَجِّ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْعَامِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَهُوَ عَامُ تِسْعَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَقَدْ حَضَرَ الْمُشْرِكُونَ مَوْسِمَ الْحَجِّ فِيهِ وَأُعْلِنَ لَهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ إِلَى الْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ، وَإِنَّمَا أُمْهِلُوا إِلَى بَقِيَّةِ الْعَامِ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَصَلُوا فِي الْمَوْسِمِ، وَالرُّجُوع إِلَى آفاقهم مُتَفَاوِتٌ «فَأُرِيدَ مِنَ الْعَامِ مَوْسِمَ الْحَجِّ، وَإِلَّا فَإِنَّ نِهَايَةَ الْعَامِ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ وَهُمْ قَدْ أُمْهِلُوا إِلَى نِهَايَةِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التَّوْبَة: 2] .
وَإِضَافَةُ (الْعَامِ) إِلَى ضَمِيرِ (هُمْ) لِمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِمْ بِحُكْمٍ هَائِلٍ فِي ذَلِكَ الْعَامِ كَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ:
فَإِنْ كَانَ أَعْجَبَكُمْ عَامُكُمْ ... فَعُودُوا إِلَى مِصْرَ فِي الْقَابِلِ
وَصِيغَةُ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ لِإِفَادَةِ نَفْيِ التَّرَدُّدِ فِي اعْتِبَارِهِمْ نَجَسًا، فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي اتِّصَافِهِمْ بِالنَّجَاسَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَا وَصْفَ لَهُمْ إِلَّا النِّجَسِيَّةَ.
وَوَصْفُ (الْعَامِ) بَاسِمِ الْإِشَارَةِ لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِهِ وَبَيَانِهِ.
وَقَوْلُهُ: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ ظَاهِرُهُ نَهْيٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَنِ الْقُرْبِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَمُوَاجَهَةُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ تَقْتَضِي نَهْيَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَقْرُبَ الْمُشْرِكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.
جَعَلَ النَّهْي عَن صُورَةِ نَهْيِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي نَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ جُعِلُوا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست