responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 151
وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ كَانَ مُعْظَمُهُمْ مُؤْمِنِينَ خُلَّصًا، وَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ افْتُتِحَ الْخِطَّابُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إشعارا بِأَنَّ مَا سَيُلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْوَصَايَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِيمَانِ وَشِعَارِهِ.
وَقَدْ أَسْفَرَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ الَّتِي نَزَلَتْ عَقِبَهَا هَذِهِ السُّورَةُ عَنْ بَقَاءِ بَقِيَّةٍ مِنَ النِّفَاقِ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَعْرَابِ الْمُجَاوِرِينَ لَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ [التَّوْبَة: 90]- وَقَوْلِهِ- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ [التَّوْبَة: 101] وَنَظَائِرِهُمَا مِنَ الْآيَاتِ.
رَوَى الطَّبَرَيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْوَاحِدِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا أَسْقِي الْحَاجَّ، وَقَالَ طَلْحَةُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ: أَنَا حَاجِبُ الْكَعْبَةِ، فَلَا نُهَاجِرُ، تَعَلَّقَ بَعْضُ الْأَزْوَاجِ وَالْأَبْنَاءِ بِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا «أَتُضَيِّعُونَنَا» فَرَقُّوا لَهُمْ وَجَلَسُوا مَعَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَمَعْنَى اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ أَحَبُّوهُ حُبًّا مُتَمَكِّنًا. فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ، مِثْلَ مَا فِي اسْتَقَامَ وَاسْتَبْشَرَ.
حَذَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُوَالَاةِ مَنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ، فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ أَوْ بَاطِنِهِ، إِذَا اطَّلَعُوا عَلَيْهِمْ وَبَدَتْ عَلَيْهِمْ أَمَارَاتُ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَجَعَلَ التَّحْذِيرَ مِنْ أُولَئِكَ بِخُصُوصِ كَوْنِهِمْ آبَاءً وَإِخْوَانًا تَنْبِيهًا عَلَى أَقْصَى الْجَدَارَةِ بِالْوَلَايَةِ لِيُعْلَمَ بِفَحْوَى الْخِطَابِ أَنَّ مَنْ دُونَهُمْ أَوْلَى بِحُكْمِ النَّهْيِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَبْنَاءَ وَالْأَزْوَاجَ هُنَا لِأَنَّهُمْ تَابِعُونَ فَلَا يَقْعُدُونَ بَعْدَ مَتْبُوعِيهِمْ.
وَقَوْلُهُ: فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أُرِيدَ بِهِ الظَّالِمُونَ أَنْفُسُهُمْ لِأَنَّهُمْ وَقَعُوا فِيمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ، فَاسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَسَبُّبِ الْعَذَابِ لَهَا، فَالظُّلْمُ إِذَنْ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَلَيْسَ مُرَادًا بِهِ الشِّرْكُ. وَصِيغَةُ الْحَصْرِ لِلْمُبَالَغَةِ بِمَعْنَى أَنَّ ظُلْمَ غَيْرِهِمْ كَلَا ظُلْمَ بِالنِّسْبَةِ لِعَظَمَةِ ظُلْمِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ عَائِدًا إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ أَيْ إِلَى الْآبَاءِ وَالْإِخْوَانِ الَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست