responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 140
وَ (مَساجِدَ اللَّهِ) مَوَاضِعُ عِبَادَتِهِ بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ: الْمُرَادُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْمَسْعَى، وَعَرَفَةَ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْجَمَرَاتِ، وَالْمَنْحَرِ مِنْ مِنًى.
وَعَمْرُ الْمَسَاجِدِ: الْعِبَادَةُ فِيهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا وُضِعَتْ لِلْعِبَادَةِ، فَعَمْرُهَا بِمَنْ يَحِلُّ فِيهَا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ اشْتُقَّتِ الْعُمْرَةُ، وَالْمَعْنَى: مَا يَحِقُّ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ فِي مَسَاجِدِ اللَّهِ. وَإِنَاطَةُ هَذَا النَّفْيِ بِهِمْ بِوَصْفِ كَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ: إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الشِّرْكَ مُوجِبٌ لِحِرْمَانِهِمْ مِنْ عِمَارَةِ مَسَاجِدِ اللَّهِ.
وَقَدْ جَاءَ الْحَالُ فِي قَوْلِهِ: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ مُبَيِّنًا لِسَبَبِ بَرَاءَتِهِمْ مِنْ أَنْ
يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَعْمُرُوا فَبَيَّنَ عَامِلَ الضَّمِيرِ وَهُوَ يَعْمُرُوا الدَّاخِلَ فِي حُكْمِ الِانْتِفَاءِ، أَيْ: انْتَفَى تَأَهُّلُهُمْ لِأَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ بِحَالِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، فَكَانَ لِهَذِهِ الْحَالِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِهَذَا الْحِرْمَانِ الْخَاصِّ مِنْ عِمَارَةِ مَسَاجِدِ اللَّهِ، وَهُوَ الْحِرْمَانُ الَّذِي لَا اسْتِحْقَاقَ بَعْدَهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْكُفْرِ: الْكُفْرُ بِاللَّهِ، أَيْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، فَالْكُفْرُ مُرَادِفٌ لِلشِّرْكِ، فَالْكُفْرُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُوجِبٌ لِلْحِرْمَانِ مِنْ عِمَارَةِ أَصْحَابِهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، لِأَنَّهَا مَسَاجِدُ اللَّهِ فَلَا حَقَّ لِغَيْرِ اللَّهِ فِيهَا، ثُمَّ هِيَ قَدْ أُقِيمَتْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَأَقَامَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوَّلَ مَسْجِدٍ وَهُوَ الْكَعْبَةُ عُنْوَانًا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَإِعْلَانًا بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [96] ، فَهَذِهِ أَوَّلُ دَرَجَةٍ مِنَ الْحِرْمَانِ. ثُمَّ كَوْنُ كُفْرِهِمْ حَاصِلًا بِاعْتِرَافِهِمْ بِهِ مُوجِبٌ لِانْتِفَاءِ أَقَلِّ حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِمَارَةِ، وَلِلْبَرَاءَةِ مِنِ اسْتِحْقَاقِهَا، وَهَذِهِ دَرَجَةٌ ثَانِيَةٌ مِنَ الْحِرْمَانِ.
وَشَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ حَاصِلَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَ ذَلِكَ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» ، وَمِثْلَ سُجُودِهِمْ لِلْأَصْنَامِ، وَطَوَافِهِمْ بِهَا، وَوَضْعِهِمْ إِيَّاهَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَحَوْلَهَا وَعَلَى سَطْحِهَا.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ: بِإِفْرَادِ مَسْجِدَ اللَّهِ أَيِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، أَوِ التَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ لِلْجِنْسِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: مَساجِدَ اللَّهِ، فَيَعُمُّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَا عَدَدْنَاهُ مَعَهُ آنِفًا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 140
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست