responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 13
الْغَالِبِ أَنْ لَا تَكُونَ لَهُمْ سَعَةٌ فِي الْمَكَاسِبِ فَهُمْ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ، وَلَكِنَّهَا دُونَ الْفَقْرِ فَجُعِلَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْمَغْنَمِ تَوْفِيرًا عَلَيْهِمْ فِي إِقَامَة شؤونهم، فَهُمْ مِنَ الْحَاجَةِ الْمَالِيَّةِ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَهُمْ مِنْ حَالَةِ الْمَقْدِرَةِ أَضْعَفُ حَالًا مِنْهُمْ، فَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ بِأَمْوَالٍ تَرَكَهَا لَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا.
وَالْمَسَاكِين الْفُقَرَاء الشَّديد والفقر جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ كَمَا جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا فِي الزَّكَاةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْفُقَرَاءِ حَقًّا فِي الْخُمُسِ كَمَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْيَتَامَى حَقًّا فِي الزَّكَاةِ.
وَابْنُ السَّبِيلِ أَيْضًا فِي حَاجَةٍ إِلَى الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَلَاغ وتسديد شؤونه، فَهُوَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ، فَلَوْ كَانَ ابْنُ السَّبِيلِ ذَا وَفْرٍ وَغِنًى لَمْ يُعْطَ مِنَ الْخُمُسِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالِكٌ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الْيَتَامَى وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْفَقْرَ، بَلْ مُطْلَقَ الْحَاجَةِ. وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَقْرَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَجَعَلَ ذِكْرَهُمْ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسَاكِينِ لِتَقْرِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِلْمِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْعَمَلَ بِالْمَعْلُومِ وَالِامْتِثَالَ لِمُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ، صَحَّ تَعَلُّقُ الشَّرْطِ بِهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَاعْلَمُوا دَلِيلًا عَلَى الْجَوَابِ أَوْ هُوَ الْجَوَابُ مُقَدَّمًا عَلَى شَرْطِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ إلَخْ. وَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ
فَاقْطَعُوا أَطْمَاعَكُمْ فِي ذَلِك الْخمس واقتنعوا بِالْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ مَعَ الْعَمَلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ.
مُطْلَقُ الْعِلْمِ بِأَنَّ الرَّسُولَ قَالَ ذَلِكَ.
وَالشَّرْطُ هُنَا مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ إِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَحَقُّقُ الْمَشْرُوطِ، وَهُوَ مَضْمُونُ جُمْلَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ إِلَى آخِرِهَا. وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِحِرَفِ (إِنِ) الَّتِي شَأْنُ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ مَشْكُوكًا فِي وُقُوعِهِ زِيَادَةً فِي حَثِّهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ حَيْثُ يَفْرِضُ حَالُهُمْ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ فِي حُصُولِ شَرْطِهِ إِلْهَابًا لَهُمْ لِيَبْعَثَهُمْ عَلَى إِظْهَارِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فِيهِمْ، فَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَالْإِيمَانُ يُرْشِدُ إِلَى الْيَقِينِ بِتَمَامِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَهُ وَآمَنْتُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَرَأَيْتُمْ ذَلِكَ رَأْيَ الْعَيْنِ وَارْتَقَى إِيمَانُكُمْ مِنْ مَرْتَبَةِ حَقِّ الْيَقِينِ إِلَى مَرْتَبَةِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست