responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 119
لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ شَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى هَدْيِ النَّاسِ، جَعَلَ سَمَاعَ هَذَا الْمُسْتَجِيرِ الْقُرْآنَ غَايَةً لِإِقَامَتِهِ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْغَايَةُ عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ إِيجَازًا، وَهُوَ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الْمُسْتَجِيرِ مِنْ تَفَاوُضٍ فِي مُهِمٍّ، أَوْ طَلَبِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ فَقَدْ تَمَّتْ أَغْرَاضُ إِقَامَتِهِ لِأَنَّ بَعْضَهَا مِنْ مَقْصِدِ الْمُسْتَجِيرِ وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِهَا، وَبَعْضَهَا مِنْ مَقْصِدِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ لَا يَتْرُكُهُ يَعُودُ حَتَّى يُعِيدَ إِرْشَادَهُ، وَيَكُونَ آخِرُ مَا يَدُورُ مَعَهُ فِي آخِرِ أَزْمَانِ إِقَامَتِهِ إِسْمَاعَهُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَلَامُ اللَّهِ: الْقُرْآنُ، أُضِيفَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَوْجَدَهُ اللَّهُ لِيَدُلَّ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ النَّاسِ وَأَبْلَغَهُ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ تَأْلِيفِ مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَوْجَدَهُ بِقُدْرَتِهِ بِدُونِ صُنْعِ أَحَدٍ، بِخِلَافِ الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ.
وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِحَرْفِ الْمُهْلَةِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ اسْتِمْرَارِ إِجَارَتِهِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمَكَانَ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَحَرْفُ (ثُمَّ) هُنَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ اهْتِمَامًا بِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ.
وَمَعْنَى أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أَمْهِلْهُ وَلَا تُهِجْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ، فَلَمَّا كَانَ تَأْمِينُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِيَّاهُ سَبَبًا فِي بُلُوغِهِ مَأْمَنَهُ، جُعِلَ التَّأْمِينُ إِبْلَاغًا فَأُمِرَ بِهِ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِسُوءٍ حَتَّى يَبْلُغَ بِلَادَهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّفُ تَرْحِيلَهُ وَيَبْعَثُ مَنْ يُبَلِّغُهُ، فَالْمَعْنَى: اتْرُكْهُ يَبْلُغْ مَأْمَنَهُ، كَمَا يَقُولُ الْعَرَبُ لمن يُبَادر أحد بِالْكَلَامِ قَبْلَ إِنْهَاءِ كَلَامِهِ: «أَبْلِعْنِي رِيقِي» ، أَيْ أَمْهِلْنِي لَحْظَةً مِقْدَارَ مَا أَبْلَعُ رِيقِي ثُمَّ أُكَلِّمُكَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قُلْتُ لِبَعْضِ أَشْيَاخِي:
«أَبْلَعْنِي رِيقِي- فَقَالَ- قَدْ أَبَلَعْتُكَ الرَّافِدَيْنِ» يَعْنِي دجلة والفرات.
و (المأمن) مَكَانُ الْأَمْنِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ الْمُسْتَجِيرُ أَمْنَهُ السَّابِقَ، وَذَلِكَ هُوَ دَارُ قَوْمِهِ حَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنَالَهُ بِسُوءٍ. وَقَدْ أُضِيفَ الْمَأْمَنُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُشْرِكِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست