responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 113
وَذِكْرُ كَلِمَةِ شَيْئاً لِلْمُبَالَغَةِ فِي نَفْيِ الِانْتِقَاصِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ «شَيْءٍ» نَكِرَةٌ عَامَّةٌ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَفَادَتِ انْتِفَاءَ كُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [113] .
وَالْمُظَاهَرَةُ: الْمُعَاوَنَةُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا مُشْتَقًّا مِنَ الِاسْمِ الْجَامِدِ وَهُوَ الظَّهْرُ،
أَيْ صُلْبُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْبَعِيرِ، لِأَنَّ الظَّهْرَ بِهِ قُوَّةُ الْإِنْسَانِ فِي الْمَشْيِ وَالتَّغَلُّبِ، وَبِهِ قُوَّةُ الْبَعِيرِ فِي الرِّحْلَةِ وَالْحَمْلِ، يُقَالُ: بَعِيرٌ ظَهِيرٌ، أَيْ قَوِيٌّ عَلَى الرِّحْلَةِ، مِثْلَ الْمُعِينِ لِأَحَدٍ عَلَى عَمَلٍ بِحَالِ مَنْ يُعْطِيهِ ظَهْرَهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ يُعِيرُهُ ظَهْرَهُ وَيُعِيرُهُ الْآخَرُ ظَهْرَهُ، فَمِنْ ثَمَّ جَاءَتْ صِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ، وَمِثْلُهُ الْمُعَاضَدَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعَضُدِ، وَالْمُسَاعَدَةُ مِنَ السَّاعِدِ، وَالتَّأْيِيدُ مِنَ الْيَدِ، وَالْمُكَاتَفَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكَتِفِ، وَكُلُّهَا أَعْضَاءُ الْعَمَلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُشْتَقًّا مِنَ الظُّهُورِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ ضِدُّ الْخَفَاءِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا انْتَصَرَ عَلَى غَيْرِهِ ظَهَرَ حَالُهُ لِلنَّاسِ، فَمُثِّلَ بِالشَّيْءِ الَّذِي ظَهَرَ بَعْدَ خَفَاءٍ، وَلِذَلِكَ يُعَدَّى بِحَرْفِ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [التَّحْرِيم: 4]- وَقَالَ- كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التَّوْبَة: 8]- وَقَالَ- لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الْفَتْح: 28]- وَقَالَ- وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التَّحْرِيم: 4] أَيْ مُعِينٌ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَتِمُّوا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ اسْتِثْنَاءُ قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً إِلَخْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا تَشْمَلُهُمُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْعَهْدِ.
وَالْمُدَّةُ: الْأَجَلُ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمَدِّ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَدٌّ فِي زَمَنِ الْعَمَلِ، أَيْ تَطْوِيلٌ، وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: مَادَ الْقَوْمُ غَيْرَهُمْ، إِذَا أَجَّلُوا الْحَرْبَ إِلَى أَمَدٍ، وَإِضَافَةُ الْمُدَّةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُعَاهِدِينَ لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ مَعَهُمْ، فَإِضَافَتُهَا إِلَيْهِمْ كَإِضَافَتِهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ رَجَّحَ هُنَا جَانِبَهُمْ، لِأَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِالْأَجَلِ أَصْبَحَ أَكْثَرَ مِنِ انْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ، إِذْ صَارَ الْمُسْلِمُونَ أَقْوَى مِنْهُمْ، وَأَقْدَرَ عَلَى حَرْبِهِمْ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ تَذْيِيلٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ إِلَى الْأَجَلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّقْوَى، أَيْ مِنِ امْتِثَالِ الشَّرْعِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ عَقِبَ الْأَمْرِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ التَّقْوَى.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 10  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست