responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 729
يَقُولُ الْبَصْرِيُّونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهُ مُقَدَّرُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ وَصَّى وَنَحْوَهُ نَاصِبٌ لِلْجُمْلَةِ الْمَقُولَةِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيًّا.
واصْطَفى لَكُمُ اخْتَارَ لَكُمُ الدِّينَ أَيِ الدِّينُ الْكَامِلُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ اخْتَارَهُ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ الْأَدْيَانِ وَأَنَّهُ فَضَّلَهُمْ بِهِ لِأَنَّ اصْطَفَى لَكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ادَّخَرَهُ لِأَجْلِهِ، وَأَرَادَ بِهِ دِينُ الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسَمَّى بِالْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ قَالَ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وَمَعْنَى فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ النَّهْيُ عَنْ مُفَارَقَةِ الْإِسْلَامِ أَعَنَى مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ حَيَاتِهِمْ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ مُلَازَمَتِهِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحَيَّ لَا يَدْرِي مَتَى يَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَنَهْيُ أَحَدٍ عَنْ أَنْ يَمُوتَ غَيْرَ مُسْلِمِ أَمْرٌ بِالِاتِّصَافِ بِالْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ فَالْمُرَادُ مِنْ مِثْلِ هَذَا النَّهْيِ شِدَّةُ الْحِرْص على تِلْكَ الْمَنْهِيِّ.
وَلِلْعَرَبِ فِي النَّهْيِ الْمُرَادِ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ لَازِمِهِ طُرُقٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَجْعَلُوا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِمَّا لَا قُدْرَةَ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى اجْتِنَابِهِ فَيَدُلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ لَازِمِهِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ لَا تَنْسَ كَذَا أَيْ لَا تَرْتَكِبُ أَسْبَابَ النِّسْيَانِ، وَمِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا أَيْ لَا تَفْعَلُ فَأَعْرِفُكَ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمُتَكَلِّمِ لَا يُنْهِي عَنْهَا الْمُخَاطَبُ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَا يُذَادَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ حَوْضِي»
، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَقْدُورًا لِلْمُخَاطِبِ وَلَا يُرِيدُ الْمُتَكَلِّمُ النَّهْيَ عَنْهُ وَلَكِنْ عَمَّا يَتَّصِلُ بِهِ أَوْ يُقَارِنُهُ فَيَجْعَلُ النَّهْيَ فِي اللَّفْظِ عَنْ شَيْءٍ وَيُقَيِّدُهُ بِمُقَارِنِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُضْطَرٌّ لِإِيقَاعِهِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ اضْطُرَّ لِإِيقَاعِ مُقَارِنِهِ نَحْوَ قَوْلِكَ لَا أَرَاكَ بِثِيَابٍ مُشَوَّهَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُمْكِنَ الْحُصُولِ وَيَجْعَلُهُ مُفِيدًا مَعَ احْتِمَالِ الْمَقَامِ لِأَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ أَحَدَهُمَا نَحْوَ لَا تَجِئْنِي سَائِلًا وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ لَا يَسْأَلَكَ فَإِمَّا أَنْ يَجِيءَ وَلَا يَسْأَلَ وَإِمَّا أَنْ لَا يَجِيءَ بِالْمَرَّةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إِثْبَاتُ أَنَّ بَنِي إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَبَنُوهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَا طَرَأَ عَلَى بَنِيهِ بَعْدَ ذَاكَ مِنَ الشَّرَائِعِ إِنَّمَا اقْتَضَتْهُ أَحْوَالٌ عَرَضَتْ وَهِيَ دُونَ الْكَمَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان: 19] وَقَالَ: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ
[الْحَج: 78] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 729
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست