responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 604
بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَغَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إِلَى صِلَةٍ احْتِرَازًا عَنْ (مَا) الْمَوْصُولَةِ فَقَوْلُهُ: بِئْسَمَا يُفَسَّرُ بِبِئْسَ الشَّيْءِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيُّ. وَالْآخَرُ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْفَارِسِيُّ وَهَذَانِ هُمَا أَوْضَحُ الْوُجُوهِ فَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَهَا (مَا) وَحْدَهَا كَانَتْ (مَا) مَعْرِفَةً تَامَّةً نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [الْبَقَرَة: 271] أَيْ نِعْمَ الشَّيْءُ هِيَ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ مَا جُمْلَةٌ تَصْلُحُ لِأَنْ تَكُونَ صِلَةً كَانَتْ (مَا) مَعْرِفَةً نَاقِصَةً أَيْ مَوْصُولَةً نَحْوَ قَوْلِهِ هُنَا: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ (مَا) فَاعِلُ (بِئْسَ) .
وَقَدْ يُذْكَرُ بَعْدَ بِئْسَ وَنِعْمَ اسْمٌ يُفِيدُ تَعْيِينَ الْمَقْصُودِ بِالذَّمِّ أَوِ الْمَدْحِ، وَيُسَمَّى فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَخْصُوصَ وَقَدْ لَا يُذْكَرُ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ أَوْ لِتَقَدُّمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: أَنْ يَكْفُرُوا هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ وَالتَّقْدِيرُ كُفْرُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ أَوْ خَبَرًا مَحْذُوفَ الْمُبْتَدَأِ أَوْ بَدَلًا أَوْ بَيَانًا مِنْ (مَا) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: اشْتَرَوْا إِمَّا صِفَةٌ لِلْمَعْرِفَةِ أَوْ صِلَةٌ لِلْمَوْصُولَةِ وأَنْ يَكْفُرُوا هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَذَلِكَ عَلَى وِزَانِ قَوْلِكَ نِعْمَ الرَّجُلُ فُلَانٌ.
وَالِاشْتِرَاءُ الِابْتِيَاعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [الْبَقَرَة: 16] فَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مُجَازٌ أُطْلِقَ فِيهِ الِاشْتِرَاءُ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الشَّيْءِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ تَشْبِيهًا لِاسْتِبْقَائِهِ بِابْتِيَاعِ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ فَهُمْ قَدْ آثَرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأَبْقَوْا عَلَيْهَا بِأَنْ كَفَرُوا بِالْقُرْآنِ حَسَدًا، فَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا [الْبَقَرَة: 89] بِمَعْنَى جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا صِفَتَهُ وَإِنْ فَرَّطُوا فِي تَطْبِيقِهَا عَلَى الْمَوْصُوفِ، فَمَعْنَى اشْتِرَاءِ أَنْفُسِهِمْ جَارٍ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّهُمْ نَجَّوْهَا مِنَ الْعَذَابِ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَقَوْلُهُ:
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَيْ بِئْسَمَا هُوَ فِي الْوَاقِعِ وَأَمَّا كَوْنُهُ اشْتِرَاءً فَبِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَقَوْلُهُ: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ أَيْضًا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ حَالِهِمْ وَهِيَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ إِلَيْهِمْ لِلدَّوَامِ عَلَى شَرِيعَةٍ نُسِخَتْ. وَإِنْ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ
صِدْقَ الرَّسُولِ وَكَانَ إِعْرَاضُهُمْ لِمُجَرَّدِ الْمُكَابَرَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، فَالِاشْتِرَاءُ بِمَعْنَى الِاسْتِبْقَاءِ الدُّنْيَوِيِّ أَيْ بِئْسَ الْعِوَضُ بِذْلُهُمُ الْكُفْرَ وَرِضَاهُمْ بِهِ لِبَقَاءِ الرِّئَاسَةِ وَالسُّمْعَةِ وَعَدَمُ الِاعْتِرَافِ برسالة الصَّادِق بِالْآيَةِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ [الْبَقَرَة: 86] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 604
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست