responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 441
وَقَوْلِهِ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها [الْبَقَرَة: 36] مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ اهْبِطُوا مِنَ السَّمَاءِ جَمِيعًا إِذْ لَمْ يَسْبِقْ مَعَادٌ لِلسَّمَاءِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِعَادَةُ اهْبِطُوا الثَّانِي لِغَيْرِ رَبْطِ نَظْمِ الْكَلَامِ أَنْ تَكُونَ لِحِكَايَةِ أَمْرٍ ثَانٍ لِآدَمَ بِالْهُبُوطِ كَيْلَا يَظُنَّ أَنَّ تَوْبَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ عِنْدَ مُبَادَرَتِهِ بِالتَّوْبَةِ عَقِبَ الْأَمْرِ بِالْهُبُوطِ قَدْ أَوْجَبَتِ الْعَفْوَ عَنْهُ مِنَ الْهُبُوطِ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَعَادَ لَهُ الْأَمْرَ بِالْهُبُوطِ بَعْدَ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى وَطَوْرٌ مِنَ الْأَطْوَارِ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَعْلِهِ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْعَفْوَ يَكُونُ مِنَ التَّائِبِ فِي الزَّوَاجِرِ وَالْعُقُوبَاتِ. وَأَمَّا تَحْقِيقُ آثَارِ الْمُخَالِفَةِ وَهُوَ الْعُقُوبَةُ التَّأْدِيبِيَّةُ فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا فَسَادٌ فِي الْعَالَمِ لِأَنَّ الْفَاعِلَ لِلْمُخَالَفَةِ إِذَا لَمْ يَرَ أَثَرَ فَعْلِهِ لَمْ يَتَأَدَّبْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَالتَّسَامُحُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ إِذَا لَوَّثَ مَوْضِعًا وَغَضِبَ عَلَيْهِ مُرَبِّيهِ ثُمَّ تَابَ فَعَفَا عَنْهُ فَالْعَفْوُ يَتَعَلَّقُ بِالْعِقَابِ وَأَمَّا تَكْلِيفُهُ بِأَنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ التَّلْوِيثَ الَّذِي لَوَّثَ بِهِ الْمَوْضِعَ فَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ التَّسَامُحُ فِيهِ وَلِذَا لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ رَضِيَ عَنْهُ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِعُقُوبَةٍ وَلَا بِزَاجِرٍ فِي الدُّنْيَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصْفَحْ عَنْهُ فِي تَحَقُّقِ أَثَرِ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ الْهُبُوطُ مِنَ الْجَنَّةِ لِيَرَى أَثَرَ حِرْصِهِ وَسُوءِ ظَنِّهِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّوْجِيهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنِ اهْبِطُوا الثَّانِي حِكَايَةَ أَمْرٍ ثَانٍ بِالْهُبُوطِ خُوطِبَ بِهِ آدَمُ.
وجَمِيعاً حَال. وَجَمِيع اسْمٌ لِلْمُجْتَمِعِينَ مِثْلَ لَفْظِ (جَمْعٍ) فَلِذَلِكَ الْتَزَمُوا فِيهِ حَالَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ هُوَ فِي الْأَصْلِ وَصْفًا وَإِلَّا لَقَالُوا جَاءُوا جَمِيعِينَ لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ يُطَابِقُ مَوْصُوفَهُ وَقَدْ تَأَوَّلُوا قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً
بِأَنَّ التَّاءَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْمَعْنَى اهْبِطُوا مُجْتَمِعَيْنِ فِي الْهُبُوطِ مُتَقَارِنَيْنِ فِيهِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي اقْتِرَافِ سَبَبِ الْهُبُوطِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ شَرْطٌ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّ (إِمَّا) شَرْطٌ مُرَكَّبٌ مِنْ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ وَمَا الزَّائِدَةُ دَالَّةٌ عَلَى تَأْكِيدِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ إِنْ بِمَجَرَّدِهَا دَالَّةٌ عَلَى الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ دُخُولُ مَا الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا كَدُخُولِهَا عَلَى (مَتَى) وَ (أَيْ) وَ (أَيْنَ) وَ (أَيَّانَ) وَ (مَا) وَ (مِنْ) وَ (مَهْمَا) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَصْلَهَا مَامَا لِأَنَّ تِلْكَ كَانَتْ زِيَادَتَهَا لِجَعْلِهَا مُفِيدَةً مَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لَمْ تُوضَعْ لَهُ بِخِلَافِ (إِنْ) وَقَدِ الْتَزَمَتِ الْعَرَبُ تَأْكِيدَ فِعْلِ الشَّرْطِ مَعَ إِمَّا بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِزِيَادَةِ تَوْكِيدِ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ عَلَامَتِهِ عَلَى أَدَاتِهِ وَعَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لَا يُفِيدُ تَحْقِيقَ حُصُولِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَكَّدْ جَوَابُ الشَّرْطِ بِالنُّونِ بَلْ يُفِيدُ تَحْقِيقَ الرَّبْطِ أَيْ إِنَّ كَوْنَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 441
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست