responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 425
فَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صَحِيحَةٍ ... وَرِجْلٍ رَمَى فِيهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
وَالِاسْتِكْبَارُ التَّزَايُدُ فِي الْكِبْرِ لِأَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلطَّلَبِ كَمَا عَلِمْتَ، وَمِنْ لَطَائِفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَادَّةَ الِاتِّصَافِ بِالْكبرِ لم تجىء مِنْهَا إِلَّا بِصِيغَةِ الِاسْتِفْعَالِ أَوِ التَّفَعُّلِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ صَاحِبَ صِفَةِ الْكِبْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُتَطَلِّبًا الْكِبْرَ أَوْ مُتَكَلِّفًا لَهُ وَمَا هُوَ بِكَبِيرٍ حَقًّا وَيَحْسُنُ هُنَا أَنْ نَذْكُرَ قَوْلَ أَبِي الْعَلَاءِ:
عَلَوْتُمُ فَتَوَاضَعْتُمْ عَلَى ثِقَةٍ ... لَمَّا تَوَاضَعَ أَقْوَامٌ عَلَى غَرَرِ
وَحَقِيقَةُ الْكِبْرِ قَالَ فِيهَا حُجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ «الْإِحْيَاءِ» : الْكِبْرُ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ وَهُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إِلَى اعْتِقَادِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ فَوْقَ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكِبْرَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ الْكِبْرُ عَنِ الْعُجْبِ فَإِنَّ الْعُجْبَ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَسْتَعْظِمَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لِيَكُونَ مُتَكَبِّرًا فَإِنَّهُ قَدْ يَسْتَعْظِمُ نَفْسَهُ وَلَكِنَّهُ يَرَى غَيْرَهُ أَعْظَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مُمَاثِلًا لَهَا فَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَسْتَحْقِرَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَوْ رَأَى نَفْسَهُ أَحْقَرَ لَمْ يَتَكَبَّرْ وَلَوْ رَأَى غَيْرَهُ مِثْلَ نَفْسِهِ لَمْ يَتَكَبَّرْ بَلْ أَنْ يَرَى لِنَفْسِهِ مَرْتَبَةً وَلِغَيْرِهِ مَرْتَبَةً ثُمَّ يَرَى مَرْتَبَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ غَيْرِهِ، فَعِنْدَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ الثَّلَاثَةِ يَحْصُلُ خُلُقُ الْكِبْرِ وَهَذِهِ الْعَقِيدَةُ تَنْفُخُ فِيهِ فَيَحْصُلُ فِي نَفْسِهِ اعْتِدَادٌ وَعِزَّةٌ وَفَرَحٌ وَرُكُونٌ إِلَى مَا اعْتَقَدَ، وَعَزَّ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَتِلْكَ الْعِزَّةُ وَالْهِزَّةُ وَالرُّكُونُ إِلَى تِلْكَ الْعَقِيدَةِ هُوَ خُلُقُ الْكِبْرِ.
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَظَائِرُهَا مَثَارَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ فِيمَا تَقْتَضِيهِ دَلَالَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ حُكْمٍ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَثْنَى فَقَالَ الْجُمْهُورُ: الِاسْتِثْنَاءُ يَقْتَضِي اتِّصَافَ الْمُسْتَثْنَى بِنَقِيضِ مَا حَكَمَ بِهِ للمستثنى مِنْهُ فَلِذَلِكَ كَثُرَ الِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِثْنَاءِ دُونَ أَنْ يُتْبَعَ بِذَكَرِ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لِلْمُسْتَثْنَى سَوَاءً كَانَ الْكَلَامُ مُثْبَتًا أَوْ مَنْفِيًّا. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ جَلِيًّا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ لَوْلَا إِفَادَةُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَثْبُتُ لَهُ نَقِيضُ مَا حَكَمَ بِهِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَكَانَتْ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُفِيدَةٍ سِوَى نَفْيِ الْإِلَهِيَّةِ عَمَّا عَدَا اللَّهَ فَتَكُونُ إِفَادَتُهَا الْوَحْدَانِيَّةَ لِلَّهِ بِالِالْتِزَامِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ يُثْبِتُ لِلْمُسْتَثْنَى نَقِيضَ مَا حَكَمَ بِهِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامٍ مُثْبَتٍ لَا يُفِيدُ إِلَّا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَثْبُتُ لَهُ نَقِيضُ الْحُكْمِ لَا نَقِيضُ الْمَحْكُومِ بِهِ، فَالْمُسْتَثْنَى بِمَنْزِلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْ وَصْفِهِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 425
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست