responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 42
الْمُفَسِّرِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْرِفَ عَلَى الْإِجْمَالِ مَقَاصِدَ الْقُرْآنِ مِمَّا جَاءَ لِأَجْلِهِ، وَيَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُ فِي إِطْلَاقِ الْأَلْفَاظِ، وَلِلتَّنْزِيلِ اصْطِلَاحٌ وَعَادَاتٌ، وَتَعَرَّضَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَادَاتِ الْقُرْآنِ فِي مُتَنَاثِرِ كَلَامِهِ فِي تَفْسِيرِهِ.
فَطَرَائِقُ الْمُفَسِّرِينَ لِلْقُرْآنِ ثَلَاثٌ، إِمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ
لِلتَّرْكِيبِ مَعَ بَيَانِهِ وَإِيضَاحِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَإِمَّا اسْتِنْبَاطُ مَعَانٍ مِنْ وَرَاءِ الظَّاهِرِ تَقْتَضِيهَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ أَوِ الْمَقَامِ وَلَا يُجَافِيهَا الِاسْتِعْمَالُ وَلَا مَقْصِدُ الْقُرْآنِ، وَتِلْكَ هِيَ مُسْتَتْبَعَاتُ التَّرَاكِيبِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَبْحُوثِ فِيهَا فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ كَكَوْنِ التَّأْكِيدِ يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ الْمُخَاطَبِ أَوْ تَرَدُّدِهِ، وَكَفَحْوَى الْخِطَابِ وَدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ وَاحْتِمَالِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَجْلِبَ الْمَسَائِلَ وَيَبْسُطَهَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْنَى، أَوْ لِأَنَّ زِيَادَةَ فَهْمِ الْمَعْنَى مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقُرْآنِيِّ وَبَيْنَ بَعْضِ الْعُلُومِ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَقْصِدٍ مِنْ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ لِزِيَادَةِ تَنْبِيهٍ إِلَيْهِ، أَوْ لِرَدِّ مَطَاعِنِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُنَافِيهِ لَا عَلَى أَنَّهَا مِمَّا هُوَ مُرَادُ اللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ بَلْ لِقَصْدِ التَّوَسُّعِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ.
فَفِي الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ فَرَّعَ الْعُلَمَاءُ وَفَصَّلُوا فِي الْأَحْكَامِ، وَخَصُّوهَا بِالتَّآلِيفِ الْوَاسِعَةِ، وَكَذَلِكَ تَفَارِيعُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الَّتِي أَكْثَرَ مِنْهَا حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ «الْإِحْيَاءِ» فَلَا يُلَامُ الْمُفَسِّرُ إِذَا أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ تَفَارِيعِ الْعُلُومِ مِمَّا لَهُ خِدْمَةٌ لِلْمَقَاصِدِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَلَهُ مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِالْأُمُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا نَفْرِضُ أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاء: 164] بِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي إِثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْحُجَجِ لِذَلِكَ، وَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ. وَكَذَا أَنْ يُفَسَّرَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ بِكَثِيرٍ مِنْ آدَابِ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ كَمَا فَعَلَ الْغَزَالِيُّ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِنَّهُ أَمْلَى عَلَيْهَا ثَمَانِمِائَةِ مَسْأَلَةٍ. وَكَذَلِكَ تَقْرِيرُ مَسَائِلَ مِنْ عِلْمِ التَّشْرِيعِ لِزِيَادَةِ بَيَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ: مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ [الْحَج: 5] الْآيَاتِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَقْصِدِ وَهُوَ مَزِيدُ تَقْرِيرِ عَظَمَةِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَفِي الطَّرِيقَةِ الثَّالِثَةِ تُجْلَبُ مَسَائِلُ عِلْمِيَّةٌ مِنْ عُلُومٍ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِمَقْصِدِ الْآيَةِ: إِمَّا عَلَى أَن بَعْضهَا يومىء إِلَيْهِ مَعْنَى الْآيَةِ وَلَوْ بِتَلْوِيحٍ مَا كَمَا يُفَسِّرُ أَحَدٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [الْبَقَرَة: 269] فَيَذْكُرُ تَقْسِيمَ عُلُومِ الْحِكْمَةِ وَمَنَافِعَهَا مُدْخِلًا ذَلِكَ تَحْتَ قَوْلِهِ: خَيْراً كَثِيراً.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست