responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 367
الْمُتَكَيَّفَ فِي إِنْكَارِ الْأَمْثَالِ إِضْلَالٌ مَعَ غَبَاوَةٍ فَلَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنَ الْيَهُودِ وَقَدْ عُرِفُوا بِهَذَا الْوَصْفِ.
وَالْقَوْلُ فِي مَذَاهِبِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي الْفِسْقِ وَتَأْثِيرِهِ فِي الْإِيمَانِ لَيْسَ هَذَا مَقَامُ بَيَانِهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ.
فَإِنْ كَانَ مَحْمَلُ الْفَاسِقِينَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودَ الَّذِينَ طَعَنُوا فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ كَانَ الْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَخْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْصُلَ تَمْيِيزُ الْمُرَادِ مِنَ الْمُضَلَّلِ وَالْمُهْتَدِي، وَإِنْ كَانَ مَحْمَلُ الْفَاسِقِينَ عَلَى الْيَهُودِ كَانَ الْقَصْرُ حَقِيقِيًّا ادِّعَائِيًّا أَيْ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَهُمُ الطَّاعِنُونَ فِيهِ وَأَشَدُّهُمْ ضَلَالًا هُمُ الْفَاسِقُونَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَبْعَدُ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ فِي شِرْكِهِمْ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَشَأْنُهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا أَفَانِينَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَضَرْبَ الْأَمْثَالِ فَإِنْكَارُهُمْ إِيَّاهَا غَايَةُ الضَّلَالِ فَكَأَنَّهُ لَا ضَلَالَ سِوَاهُ.
وَجُمْلَةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ إِلَى آخِره صفة للفاسقين لِتَقْرِيرِ اتِّصَافِهِمْ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ هَاتِهِ الْخِلَالَ مِنْ أَكْبَرِ أَنْوَاعِ الْفُسُوقِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ مَقْطُوعَةً مُسْتَأْنَفَةً عَلَى أَنَّ (الَّذِينَ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلَهُ: أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ خَبَرٌ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لَا
تَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى تَوْصِيفِ الْفَاسِقِينَ بِتِلْكَ الْخِلَالِ إِذِ الِاسْتِئْنَافُ لَمَّا وَرَدَ إِثْرَ حِكَايَةِ حَالٍ عَنِ الْفَاسِقِينَ تَعَيَّنَ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ أَنْ تَكُونَ هَاتِهِ الصِّلَةُ مِنْ صِفَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ لِلُزُومِ الِاتِّحَادِ فِي الْجَامِعِ الْخَيَالِيِّ وَإِلَّا لَصَارَ الْكَلَامُ مُقَطَّعًا مَنْتُوفًا فَلَيْسَ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ إِلَّا اخْتِلَافُ الْإِعْرَابِ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَوَاحِدٌ فَلِذَلِكَ كَانَ إِعْرَابُهُ صِفَةً أَرْجَحَ أَوْ مُتَعَيِّنًا إِذْ لَا دَاعِيَ إِلَى اعْتِبَارِ الْقَطْعِ.
وَمَجِيءُ الْمَوْصُولِ هُنَا لِلتَّعْرِيفِ بِالْمُرَادِ مِنَ الْفَاسِقِينَ أَيِ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ عُرِفُوا بِهَذِهِ الْخِلَالِ الثَّلَاثِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَاسِقِينَ الْيَهُودُ وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْوَصْفُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُمْ قَدْ عُرِفُوا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ صِلَةُ الْمَوْصُولِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَا بَلْ هُمْ قَدْ شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ كُتُبُ أَنْبِيَائِهِمْ بِأَنَّهُمْ نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَهُمْ قَدِ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ النَّقْضُ صِلَةً لِاشْتِهَارِهِمْ بِهَا، وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ الطَّعْنَ فِي هَذَا الْمَثَلِ جَرَّهُمْ إِلَى زِيَادَةِ الطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ فَازْدَادُوا بِذَلِكَ ضَلَالًا عَلَى ضَلَالِهِمُ السَّابِقِ فِي تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وَفِي كُفْرِهِمْ بِعِيسَى، فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَضَلَالُهُمْ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَأَكْثَرُ الرَّدِّ فِي الْآيَاتِ الْمَدَنِيَّةِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 367
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست