responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 355
إِلَى ذَلِكَ الْمَعْهُودِ فَجِيءَ بِاللَّامِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ يُرَادُ أَنْهَارُهَا فَعُوِّضَ التَّعْرِيفُ بِاللَّامِ مِنْ تَعْرِيفِ الْإِضَافَةِ، يُرِيدُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَنْهَارِ مُعَرَّفَةً بِالْإِضَافَةِ لِلْجَنَّاتِ وَبَيْنَ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِأَلِ الْعَهْدِيَّةِ عَهْدًا تَقْدِيرِيًّا وَاخْتِيرَ الثَّانِي تَفَادِيًا مِنْ كُلْفَةِ الْإِضَافَةِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَنْهَارَ نِعْمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ جَدِيرَةٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ التَّنَعُّمُ بِهَا تَبَعًا لِلتَّنَعُّمِ بِالْجَنَّاتِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ أَلْ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَبَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 39] وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْإِضَافَةَ وَاللَّامَ مُتَعَاقِبَتَانِ هُنَا وَلَيْسَ ذَلِكَ صَالِحًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ [1] عَلَى أَنِّي أَرَى مَذْهَبَ
الْكُوفِيِّينَ مَقْبُولًا وَأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا إِلَّا بَيَانَ حَاصِلِ الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُضَافَ الْمَذْكُورَ كَالْمَعْهُودِ فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ.
وَعِنْدِي أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى التَّعْرِيفِ هُوَ التَّفَنُّنُ لِئَلَّا يُعَادَ التَّنْكِيرُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَخُولِفَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ اقْتِنَاعًا بِسُورَةِ التَّعْرِيفِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ تَحْتِهَا يَظْهَرُ أَنَّهُ قَيْدٌ كَاشِفٌ قُصِدَ مِنْهُ زِيَادَةُ إِحْضَارِ حَالَةِ جَرْيِ الْأَنْهَارِ إِذِ الْأَنْهَارُ لَا تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ تَجْرِي مِنْ فَوْقُ فَهَذَا الْوَصْفُ جِيءَ بِهِ لِتَصْوِيرِ الْحَالَةِ لِلسَّامِعِ لِقَصْدِ التَّرْغِيبِ وَهَذَا مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ إِذْ لَيْسَ الْبَلِيغُ يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِفْهَامِ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ النَّابِغَةِ يَصِفُ فَرَسَ الصَّائِدِ وَكِلَابَهُ:
مِنْ حِسِّ أَطْلَسَ تَسْعَى تَحْتَهُ شِرَعٌ ... كَأَنَّ أَحْنَاكَهَا السُّفْلَى مَآشِيرُ
وَالتَّحْتُ اسْمٌ لِجِهَةِ الْمَكَانِ الْأَسْفَلِ وَهُوَ ضِدُّ الْأَعْلَى، وَلِكُلِّ مَكَانِ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ارْتِفَاعَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ التَّحْتُ عَلَى التَّحْتِ بَلْ غَايَةُ مَدْلُولِهِ أَنَّهُ بِجِهَةِ سُفْلِهِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف: 51] فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ الْجَنَّةِ هُنَا بِالْأَشْجَارِ لِتَصْحِيحِ التَّحْتِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ مِنَ التَّكَلُّفَاتِ.

[1] إِشَارَة إِلَى التَّفْرِقَة بَين مَا جوزه الزَّمَخْشَرِيّ هُنَا وَمَا مَنعه من مَذْهَب الْكُوفِيّين، وَذَلِكَ أَن الْكُوفِيّين جوزوا جعل اللَّام عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مُطلقًا، فعلى مَذْهَبهم يَصح أَن تَقول إِذا لقِيت زيدا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست