responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 339
فَالتَّحَدِّي عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ هُوَ مَجْمُوعُ مُمَاثَلَةِ الْقُرْآنِ فِي أَلْفَاظِهِ وَتَرَاكِيبِهِ، وَمُمَاثِلَةُ الرَّسُولِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَعْلِيمٌ وَلَا يَعْلَمُ الْكُتُبَ السَّالِفَةَ، قَالَ تَعَالَى:
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ [العنكبوت: 51] . فَذَلِكَ مَعْنَى الْمُمَاثِلَةِ فَلَوْ أَتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ خُطَبِ أَوْ شِعْرِ بُلَغَائِهِمْ غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِتْيَانًا بِمَا تَحَدَّاهُمْ بِهِ، وَلَوْ أَتَوْا بِكَلَامٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى مَعَانٍ تَشْرِيعِيَّةٍ أَوْ مِنَ الْحِكْمَةِ مِنْ تَأْلِيفِ رَجُلٍ عَالِمٍ حَكِيمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِتْيَانًا بِمَا تَحَدَّاهُمْ بِهِ. فَلَيْسَ فِي جَعْلِ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةً إِيهَامُ إِجْزَاءِ أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ بُلَغَائِهِمْ لِأَنَّ تِلْكَ مُمَاثَلَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعْطُوفٌ عَلَى فَأْتُوا بِسُورَةٍ أَيِ ائْتُوا بِهَا وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ. وَالدُّعَاءُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى طَلَبِ حُضُورِ الْمَدْعُوِّ، وَبِمَعْنَى اسْتِعْطَافِهِ وَسُؤَالِهِ لِفِعْلٍ مَا، قَالَ أَبُو فِرَاسٍ يُخَاطِبُ سَيْفَ الدَّوْلَةِ لِيَفْدِيَهُ مِنْ أَسْرِ مَلِكِ الرُّومِ:
دَعَوْتُكَ لِلْجَفْنِ الْقَرِيحِ الْمُسَهَّدِ ... لَدَيَّ وَلِلنَّوْمِ الطَّرِيدِ الْمُشَرَّدِ
وَالشُّهَدَاءُ جَمْعُ شَهِيدٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ شَهِدَ إِذَا حَضَرَ، وَأَصْلُهُ الْحَاضِرُ قَالَ تَعَالَى: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا [الْبَقَرَة: 282] ثُمَّ اسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ فِيمَا يُلَازِمُهُ
الْحُضُورُ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً لَا بِأَصْلِ وَضْعِ اللَّفْظِ، وَأُطْلِقَ عَلَى النَّصِيرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكِنَايَةِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْمَشْهُودِ فَيَنْصُرُهُ عَلَى مَعَارِضِهِ وَلَا يُطْلَقُ الشَّهِيدُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْقُدْوَةِ وَأَثْبَتَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَلَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ. وَلَعَلَّهُ انْجَرَّ إِلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرِ «الْكَشَّافِ» لِحَاصِلِ مَعْنَى الْآيَةِ فَتَوَهَّمَهُ مَعْنًى وَضْعِيًّا فَالْمُرَادُ هُنَا ادْعُوا آلِهَتَكُمْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيِ ادْعُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَدَأْبِكُمْ فِي الْفَزَعِ إِلَيْهِمْ عِنْدَ مُهِمَّاتِكُمْ مُعْرِضِينَ بِدُعَائِهِمْ وَاسْتِنْجَادِهِمْ عَنْ دُعَاءِ اللَّهِ وَاللَّجَأِ إِلَيْهِ فَفِي الْآيَةِ إِدْمَاجُ تَوْبِيخِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ فِي أَثْنَاءِ التَّعْجِيزِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ وَهَذَا الْإِدْمَاجُ مِنْ أَفَانِينِ الْبَلَاغَةِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبَلِيغِ غَرَضَيْنِ فَيُقْرِنُ الْغَرَضَ الْمَسُوقَ لَهُ الْكَلَامُ بِالْغَرَضِ الثَّانِي وَفِيهِ تَظْهَرُ مَقْدِرَةُ الْبَلِيغِ إِذْ يَأْتِي بِذَلِكَ الِاقْتِرَانِ بِدُونِ خُرُوجٍ عَنْ غَرَضِهِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَلَا تكلّف. قَالَ الْحَرْث بْنُ حِلِّزَةَ:
آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
فَإِنَّ قَوْلَهُ رُبَّ ثَاوٍ عِنْدَ ذِكْرِ بُعْدِ الْحَبِيبَةِ وَالتَّحَسُّرِ مِنْهُ كِنَايَةٌ عَنْ أَنْ لَيْسَتْ هِيَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الَّذِي يُمَلُّ ثَوَاؤُهُ. وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ حَقَّ إِرْضَائِهَا بِأَنَّهُ لَا يَحْفِلُ بِإِقَامَةِ غَيْرِهَا، وَقَدْ عُدَُُّ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست