responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 337
التَّفْسِيرِ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّحَدِّي بِسُورَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمِقْدَارِ سُورَةٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ أُمُورًا لَا تَظْهَرُ خَصَائِصُهَا إِلَّا بِالنَّظَرِ إِلَى كَلَامٍ مُسْتَوْفًى فِي غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَإِنَّمَا تَنْزِلُ سُوَرُ الْقُرْآنِ فِي أَغْرَاضٍ مَقْصُودَةٍ فَلَا غِنَى عَنْ مُرَاعَاةِ الْخُصُوصِيَّاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِفَوَاتِحِ الْكَلَامِ وَخَوَاتِمِهِ بِحَسَبِ الْغَرَضِ، وَاسْتِيفَاءِ الْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ، وَصِحَّةِ التَّقْسِيمِ، وَنُكَتِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، وَأَحْكَامِ الِانْتِقَالِ مِنْ فَنٍّ إِلَى آخَرَ مِنْ فُنُونِ الْغَرَضِ، وَمُنَاسَبَاتِ الِاسْتِطْرَادِ وَالِاعْتِرَاضِ وَالْخُرُوجِ وَالرُّجُوعِ، وَفَصْلِ الْجُمَلِ وَوَصْلِهَا، وَالْإِيجَازِ وَالْإِطْنَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى نُكَتِ مَجْمُوعِ نَظْمِ الْكَلَامِ، وَتِلْكَ لَا تَظْهَرُ مُطَابَقَتُهَا جَلِيَّةً إِلَّا إِذَا تَمَّ الْكَلَامُ وَاسْتَوْفَى الْغَرَضُ حَقَّهُ، فَلَا جَرَمَ كَانَ لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ سَبْكِهِ إِعْجَازٌ يَفُوتُ قُدْرَةَ الْبَشَرِ هُوَ غَيْرُ الْإِعْجَازِ الَّذِي لِجُمَلِهِ وَتَرَاكِيبِهِ وَفَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ. فَكَانَتِ السُّورَةُ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ خُطْبَةِ الْخَطِيبِ وَقَصِيدَةِ الشَّاعِرِ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِالتَّفَوُّقِ إِلَّا بِاعْتِبَارَاتِ مَجْمُوعِهَا بَعْدَ اعْتِبَارِ أَجْزَائِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي «حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [17] ، «وَلِسِرِّ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ كَانَ التَّحَدِّي بِالسُّورَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَصِيرَةً دُونَ الْآيَاتِ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتِ عَدَدٍ» .
وَالتَّنْكِيرُ لِلْإِفْرَادِ أَوِ النَّوْعِيَّةِ، أَيْ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ نَوْعِ السُّوَرِ وَذَلِكَ صَادِقٌ بِأَقَلِّ
سُورَةٍ تُرْجِمَتْ بِاسْمٍ يَخُصُّهَا، وَأَقَلُّ السُّوَرِ عَدَدُ آيَاتِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمَدِينَةِ تَبَعًا لِلْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ وَكَانَ نُزُولُ هَذِهِ السُّورَةِ فِي أَوَّلِ الْعَهْدِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ أَلْبًا عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَدَاوَلُونَ الْإِغْرَاءَ بِتَكْذِيبِهِ وَصَدِّ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِهِ، فَأُعِيدَ لَهُمُ التَّحَدِّي بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ الَّذِي كَانَ قَدْ سَبَقَ تَحَدِّيهِمْ بِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَسُورَةِ هُودٍ وَسُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَقَدْ كَانَ التَّحَدِّي أَوَّلًا بِالْإِتْيَانِ بِكِتَابٍ مِثْلِ مَا نَزَلَ مِنْهُ فَفِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [88] :
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. فَلَمَّا عَجَزُوا اسْتُنْزِلُوا إِلَى الْإِتْيَانِ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ [1] ، ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا إِلَى الْإِتْيَان بِسُورَة من مِثْلِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ [2] .
وَالْمِثْلُ أَصْلُهُ الْمَثِيلُ وَالْمُشَابِهُ تَمَامَ الْمُشَابَهَةِ فَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ يَتْبَعُ مَوْصُوفًا ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُشَابِهِ الْمُكَافِئِ.

[1] فِي المطبوعة: (يُونُس) وَهُوَ غلط فَفِي التَّنْزِيل قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [هود: 13] .
[2] فِي المطبوعة: (هود) وَهُوَ غلط فَفِي التَّنْزِيل قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يُونُس: 38] .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست