responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 313
مِنْ مُزَاوَلَةِ الْكُفْرَ وَخِدَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحِقْدِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ وَوَصْفِهِمْ بِالسَّفَهِ، مُثِّلَ ذَلِكَ التَّظَاهُرُ وَذَلِكَ الِانْقِلَابُ بِحَالِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ نُورُهَا.
وَمِنْ بَدَائِعِ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ من تركيب الهيأة الْمُشَبَّهِ بهَا ومقابلتها للهيأة الْمُرَكَّبَةِ مِنْ حَالِهِمْ هُوَ قَابِلٌ لِتَحْلِيلِهِ بِتَشْبِيهَاتٍ مُفْرَدَةٍ لِكُلِّ جُزْء من هيأة أَحْوَالِهِمْ بِجُزْءٍ مُفْرد من الهيأة الْمُشَبَّهِ بِهَا فَشُبِّهَ اسْتِمَاعُهُمُ الْقُرْآنَ بِاسْتِيقَادِ النَّارِ، وَيَتَضَمَّنُ تَشْبِيهَ الْقُرْآنِ فِي إِرْشَادِ النَّاسِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْحَقِّ بِالنَّارِ فِي إِضَاءَةِ الْمَسَالِكِ لِلسَّالِكِينَ، وَشُبِّهَ رُجُوعُهُمْ إِلَى كُفْرِهِمْ بِذَهَابِ نُورِ النَّارِ، وَشُبِّهَ كَفْرُهُمْ بِالظُّلُمَاتِ، وَيُشَبَّهُونَ بِقَوْمٍ انْقَطع إبصارهم.
[18]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
أَخْبَارٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضمير مَثَلُهُمْ [الْبَقَرَة: 17] وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الَّذِي اسْتَوْقَدَ [الْبَقَرَة: 17] لِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ بِهِ أَوَّلُ التَّشْبِيهِ وَآخِرُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ ذُو بَصَرٍ وَإِلَّا لَمَا تَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِيقَادُ، وَحَذْفُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ إِذَا ذَكَرُوا مَوْصُوفًا بِأَوْصَافٍ أَوْ أَخْبَارٍ جَعَلُوهُ كَأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ لِلسَّامِعِ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ أَوْ فَتًى أَوْ رَجُلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ فُلَانٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا [النبأ: 36، 37] التَّقْدِيرُ هُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ عَدَلَ عَنْ جَعْلِ (رَبُّ) بَدَلًا مِنْ رَبِّكَ، وَقَوْلُ الْحَمَاسِيِّ [1] :
سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي ... أَيَادِيَ لَمْ تَمْنُنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِ

فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ ... وَلَا مُظْهِرُ الشَّكْوَى إِذَا النَّعْلُ زَلِّتِ
وَسَمَّى السَّكَّاكِيُّ هَذَا الْحَذْفَ «الْحَذْفَ الَّذِي اتُّبِعَ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ الْوَارِدُ عَلَى تَرْكِهِ» .
وَالْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ شُبِّهُوا فِي انْعِدَامِ آثَارِ الْإِحْسَاسِ مِنْهُمْ بِالصُّمِّ الْبُكْمِ الْعُمْيِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اجْتَمَعَتْ لَهُ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ وَذَلِكَ شَأْنُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بَعْدَ مُبْتَدَأٍ هُوَ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى جَمْعٍ، فَالْمَعْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالْأَصَمِّ الْأَبْكَمُُِ

[1] من «الحماسة» فِي بَاب الأضياف غير مَنْسُوب، وَنسبه الشريف المرتضى فِي «أَمَالِيهِ» لإِبْرَاهِيم بن [.....]
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست