responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 311
فَإِنَّ قَوْلَهُ تَرُوحُ إِلَيْنَا إِلَخْ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ تَصْوِيرِ حَالَةِ الْقَيْنَةِ وَتَحْسِينِ مُنَادَمَتِهَا، وَتُفِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يَعُودُوا إِلَى الِاسْتِنَارَةِ مِنْ بُعْدٍ، عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ وَتَرَكَهُمْ مِنْ إِفَادَةِ تَحْقِيرِهِمْ، وَمَا فِي جَمْعِ ظُلُماتٍ مِنْ إِفَادَةِ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَهِيَ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا اسْتُفِيدَ ضِمْنًا مِنْ جُمْلَةِ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَمَا يَقْتَضِيهِ جَمْعُ ظُلُماتٍ مِنْ تَقْدِيرِ تَشْبِيهَاتٍ ثَلَاثَةٍ لِضَلَالَاتٍ ثَلَاثٍ مِنْ ضَلَالَاتِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الزَّائِدِ عَلَى تَقْرِيرِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا عُطِفَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ وَلَمْ تُفْصَلْ.
وَحَقِيقَةُ التَّرْكِ مُفَارَقَةُ أَحَدٍ شَيْئًا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ فِي مَوضِع وإبقاؤه فِي ذَلِك الْموضع.
وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ الْحَالَ الَّتِي تَرَكَ الْفَاعِلُ الْمَفْعُولَ عَلَيْهَا، وَفِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ يَكْثُرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنْ مَعْنَى صَيَّرَ أَوْ جَعَلَ. قَالَ النَّابِغَةُ:
فَلَا تَتْرُكَنِّي بِالْوَعِيدِ كَأَنَّنِي ... إِلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ الْقَارُ أَجْرَبُ
أَيْ لَا تُصَيِّرَنِّي بِهَذِهِ الْمُشَابَهَةِ، وَقَوْلُ عَنْتَرَةَ:
جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةِ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ
يُرِيدُ صَيَّرْنَ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُكْنَى بِهِ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ عَنِ الزَّهَادَةِ فِي مَفْعُولِهِ كَمَا فِي بَيْتِ النَّابِغَةِ، أَوْ عَنْ تَحْقِيرِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَعْنَى صَيَّرَ حَتَّى يَكُونَ مَنْصُوبُهُ الثَّانِي مَفْعُولًا، وَمَا يُعْتَبَرُ الْمَنْصُوبُ الثَّانِي مَعَهُ حَالًا، أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَصْدُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّنَحِّي عَنْهُ فَالْمَنْصُوبُ الثَّانِي حَالٌ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ أَوَّلًا إِلَى ذَلِكَ الْمَنْصُوبِ الثَّانِي وَهُوَ مَحَلُّ الْفَائِدَةِ
فَالْمَنْصُوبُ الثَّانِي مَفْعُولٌ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْخَبَرِ فَلَا يَحْتَمِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ مَعْنًى وَإِنِ احْتَمَلَهُ لَفْظًا.
وَجَمْعُ ظُلُماتٍ لِقَصْدِ بَيَانِ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الْأَنْعَام: 63]
وَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
فَإِنَّ الْكَثْرَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي الْعُرْفِ سَبَبَ الْقُوَّةِ أَطْلَقُوهَا عَلَى مُطْلَقِ الْقُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدُّدٌ وَلَا كَثْرَةٌ مِثْلُ لَفْظِ كَثِيرٍ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [14] ، وَمِنْهُ ذِكْرُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ، لِلْوَاحِدِ، وَضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، قِيلَ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الظَّلَمَةِ مُفْرَدًا، وَلَعَلَّ لَفْظَ ظُلُمَاتٍ أَشْهَرُ إِطْلَاقًا فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [1] بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَىُُ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 311
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست