responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 309
بَدِيعٍ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ انْطِمَاسُ نُورِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى الْمُنَافِقِينَ لَا إِلَى (الَّذِي) ، قَرِيبًا مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ فَأَشْبَهَ تَجْرِيدَ الِاسْتِعَارَةِ الْمُفْرَدَةِ وَهُوَ مِنَ التَّفْنِينِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ:
وَفِي الْحَيِّ أَحَوَى يَنْفُضُ الْمَرْدَ شَادِنٌ ... مُظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
وَهَذَا رُجُوعٌ بَدِيعٌ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ الرُّجُوعُ الْوَاقِعُ بِطَرِيقِ الِاعْتِرَاضِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي:
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ [الْبَقَرَة: 19] وَحُسْنُهُ أَنَّ التَّمْثِيلَ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرِ الْمُشَبَّهِ وَذِكْرِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَالْمُتَكَلِّمُ بِالْخِيَارِ فِي مُرَاعَاةِ كِلَيْهِمَا لِأَنَّ الْوَصْفَ لَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَعْضُ نَوْعًا وَاحِدًا فِي الْمُشبه والشبه بِهِ، فَمَا ثَبَتَ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ يُلَاحَظُ كَالثَّابِتِ لِلْمُشَبَّهِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ جَوَابَ (لَمَّا) فَيَكُونُ جَمْعُ ضَمَائِرِ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ إِخْرَاجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ إِذْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِ وَتَرَكَهُ، وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ هُنَا لَفْظُ النُّورِ عِوَضًا عَنِ النَّارِ الْمُبْتَدَأِ بِهِ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنَ التَّمْثِيلِ إِلَى الْحَقِيقَةِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ نُورَ الْإِيمَانِ مِنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ، فَهَذَا إِيجَازٌ بَدِيعٌ كَأَنَّهُ قِيلَ فَلَمَّا أَضَاءَتْ ذَهَبَ اللَّهُ بِنَارِهِ فَكَذَلِكَ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَهُوَ أُسْلُوبٌ لَا عَهْدَ لِلْعَرَبِ بِمِثْلِهِ فَهُوَ مِنْ أَسَالِيبِ الْإِعْجَازِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ
[الزخرف: 22- 24] فَقَوْلُهُ: أُرْسِلْتُمْ حِكَايَةٌ لِخِطَابِ أَقْوَامِ الرُّسُلِ فِي جَوَابِ سُؤَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ بِقَوْلِهِ: أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ. وَبِهَذَا يَكُونُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ إِذْ يَتَعَيَّنُ رُجُوعُهُ لِبَعْضِ الْمُشَبَّهِ بِهِ دُونَ الْمُشَبَّهِ. وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ اسْتِئْنَافًا وَيَكُونُ التَّمْثِيلُ قَدِ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ وَيَكُونُ جَوَابُ (لَمَّا) مَحْذُوفًا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمُسْتَأْنَفَةُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ إِلَّا أَنَّ الِاعْتِبَارَ مُخْتَلِفٌ.
وَمَعْنَى ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ: أَطْفَأَ نَارَهُمْ فَعَبَّرَ بِالنُّورِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِيقَادِ، وَأَسْنَدَ إِذْهَابَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ حَصَلَ بِلَا سَبَبٍ مِنْ رِيحٍ أَوْ مَطَرٍ أَو إطفاء مطفىء، وَالْعَرَبُ وَالنَّاسُ يُسْنِدُونَ الْأَمْرَ الَّذِي لَمْ يَتَّضِحْ سَبَبُهُ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ [الْبَقَرَة: 15]

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست