responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 133
فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً، وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهَا اسْمًا اسْتِغْنَاءً بِالْوَصْفِ، كَمَا يَقُولُ الْمُؤَلِّفُونَ مُقَدِّمَةٌ أَوْ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ ثُمَّ يَقُولُونَ بَابٌ جَامِعٌ مَثَلًا، ثُمَّ يُضِيفُونَهُ فَيَقُولُونَ بَابُ جَامِعِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا إِضَافَةُ فَاتِحَةٍ إِلَى الْكِتَابِ فَإِضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ بَقِيَّتُهُ عَدَا السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ الْفَاتِحَةُ، كَمَا نَقُولُ: خُطْبَةُ التَّأْلِيفِ، وَدِيبَاجَةُ التَّقْلِيدِ.
وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا أُمَّ الْقُرْآنِ وَأُمَّ الْكِتَابِ فَقَدْ ثَبَتَتْ فِي السُّنَّةِ، مِنْ ذَلِكَ مَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فِي كِتَابِ الطِّبِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَقَى مَلْدُوغًا فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا أُمَّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْأُمَّ يُطْلَقُ عَلَى أَصْلِ الشَّيْءِ وَمَنْشَئِهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ»
أَيْ مَنْقُوصَةٌ مَخْدُوجَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرُوا لِتَسْمِيَةِ الْفَاتِحَةِ أُمَّ الْقُرْآنِ وُجُوهًا ثَلَاثَةً: أَحُدُهَا: أَنَّهَا مَبْدَؤُهُ وَمُفْتَتَحُهُ فَكَأَنَّهَا أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ، يَعْنِي أَنَّ افْتِتَاحَهُ الَّذِي هُوَ وُجُودُ أَوَّلِ أَجزَاء الْقُرْآن قَدْ ظَهَرَ فِيهَا فَجُعِلَتْ كَالْأُمِّ لِلْوَلَدِ فِي أَنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمَنْشَأُ فَيَكُونُ أُمُّ الْقُرْآنِ تَشْبِيهًا بِالْأُمِّ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْوَلَدِ لِمُشَابَهَتِهَا بِالْمَنْشَأِ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاءِ الظُّهُورِ وَالْوُجُودِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا تَشْتَمِلُ مُحْتَوَيَاتُهَا عَلَى أَنْوَاعِ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ ثَنَاءً جَامِعًا لِوَصْفِهِ بِجَمِيعِ المحامد وتنزيهه عَن جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَلِإِثْبَاتِ تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنْ قَوْلِهِ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مِنْ قَوْلِهِ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا، فَهَذِهِ هِيَ أَنْوَاعُ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَغَيْرُهَا تَكْمِلَاتٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْقُرْآنِ إِبْلَاغُ مَقَاصِدِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ صَلَاحُ الدَّارَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَمَّا تَوَقَّفَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَأَنَّهُ اللَّهُ الْوَاجِبُ وُجُودُهُ خَالِقُ الْخَلْقِ لَزِمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الصِّفَاتِ، وَلَمَّا تَوَقَّفَ تَمَامُ الِامْتِثَالِ عَلَى الرَّجَاءِ فِي الثَّوَابِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ لَزِمَ تَحَقُّقُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَاتِهِ الْأَنْوَاعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمِ الدِّينِ حَمْدٌ وَثَنَاءٌ، وَقَوْلَهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُسْتَقِيمَ مِنْ نَوْعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا مِنْ نَوْعِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والضَّالِّينَ يُشِيرُ أَيْضًا إِلَى نَوْعِ قَصَصِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ فِي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاص: 1] أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ألفاظها كلهَا أثْنَاء عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَشْتَمِلُ مَعَانِيَهَا عَلَى جُمْلَةِ مَعَانِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 133
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست