responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 130
ذَلِكَ؟ قَالَ بَلَى وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. وَقَوْلُهُ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النُّور: 55] وَقَوْلُهُ: لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النَّحْل: 8] فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرَاكِبِ مُنَبَّأٌ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الْفَتْح: 1] نَزَلَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ بِعَامَيْنِ. وَقَوْلُهُ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ [الْفَتْح: 27] . وَأَعْلَنَ ذَلِكَ الْإِعْجَازَ بِالتَّحَدِّي بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْقُرْآنِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَنْ تَفْعَلُوا [الْبَقَرَة: 23، 24] فَسَجَّلَ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَدًا وَكَذَلِكَ كَانَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فِي الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ.
وَكَأَنَّكَ بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ قَدْ صِرْتَ قَدِيرًا على الحكم فِي اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ عِلْمِ الْكَلَامِ مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ لِلْعَرَبِ هَلْ كَانَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ مُنْتَهَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَحُسْنِ النَّظْمِ وَمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنَ النُّكَتِ وَالْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي لَا تَقْفُ بِهَا عِدَّةً، وَيَزِيدُهَا النَّظَرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ جِدَّةً، فَلَا تَخْطُرُ بِبَالِ نَاظِرٍ مِنَ الْعُصُورِ الْآتِيَةِ نُكْتَةٌ أَوْ خُصُوصِيَّةٌ إِلَّا وَجَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَتَحَمَّلُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِيدَاعُ ذَلِكَ فِي كَلَامٍ إِلَّا لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ، أَوْ كَانَ الْإِعْجَازُ بِصَرْفِ اللَّهِ تَعَالَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سَلَبَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ لَأَمْكَنَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مَقْدُورِ الْبَشَرِ، وَنُسِبَ هَذَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي «شرح التفتازانيّ عَلَى الْمِفْتَاحِ» عَنِ النَّظَّامِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيُسَمَّى مَذْهَبَ أَهْلِ الصَّرْفَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ فِي «الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ» . وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ
«إِعْجَازِ الْقُرْآنِ» ، وَأَبْطَلَ مَا عَدَاهُ بِمَا لَا حَاجَةَ إِلَى التَّطْوِيلِ بِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ دوّن أَئِمَّة الْعَرَبيَّة عَلِمَ الْبَلَاغَةِ، وَقَصَدُوا مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيبَ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ عَلَى التَّفْصِيلِ دون الْإِجْمَال، فجاؤوا بِمَا يُنَاسِبُ الْكَامِلَ مِنْ دَلَائِلَ الْكَمَالِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست