responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 118
إِنَّ الْمَقَامَ قَدْ يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ مُتَسَاوِيَةً فَيَكُونُ الْبَلِيغُ مُخَيَّرًا فِي أَحَدِهِمَا وَلَهُ ذِكْرُهُمَا تَفَنُّنًا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا:
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [35] ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَعْرَافِ [19] فَكُلا بِفَاءِ التَّفْرِيعِ وَكِلَاهُمَا مُطَابِقٌ لِلْمَقَامِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ ثَانٍ وَهُوَ أَمْرٌ مُفَرَّعٌ عَلَى الْإِسْكَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْكَى بِكُلٍّ مِنَ الِاعْتِبَارَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [58] : وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [161] : وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها فَعبر مرّة
بادخلوا وَمرَّة باسكنوا، وَعَبَّرَ مَرَّةً بِوَاوِ الْعَطْفِ وَمَرَّةً بِفَاءِ التَّفْرِيعِ. وَهَذَا التَّخَالُفُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يُقْصَدُ لِتَلْوِينِ الْمَعَانِي الْمُعَادَةِ حَتَّى لَا تَخْلُوَ إِعَادَتُهَا عَنْ تَجَدُّدِ مَعْنًى وَتَغَايُرِ أُسْلُوبٍ، فَلَا تَكُونُ إِعَادَتُهَا مُجَرَّدَ تَذْكِيرٍ.
قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: قالَ [1] رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [4] : «لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يُجَاءَ بِالْآكَدِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَلَكِنْ يُجَاءُ بِالْوَكِيدِ تَارَةً وَبِالْآكَدِ أُخْرَى كَمَا يُجَاءُ بِالْحَسَنِ فِي مَوْضِعٍ وَبِالْأَحْسَنِ فِي غَيْرِهِ لِيَفْتَنَّ الْكَلَامَ افْتِنَانًا» .
وَمِنْهَا اتِّسَاعُ أَدَبِ اللُّغَةِ فِي الْقُرْآنِ. لَمْ يَكُنْ أَدَبُ الْعَرَبِ السَّائِرُ فِيهِمْ غَيْرَ الشِّعْرِ، فَهُوَ الَّذِي يُحْفَظُ وَيُنْقَلُ وَيَسِيرُ فِي الْآفَاقِ، وَلَهُ أُسْلُوبٌ خَاصٌّ مِنِ انْتِقَاءِ الْأَلْفَاظِ وَإِبْدَاعِ الْمَعَانِي، وَكَانَ غَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ عَسِيرَ الْعُلُوقِ بِالْحَوَافِظِ، وَكَانَ الشِّعْرُ خَاصًّا بِأَغْرَاضٍ وَأَبْوَابٍ مَعْرُوفَةٍ أَشْهُرُهَا وَأَكْثَرُهَا النَّسِيبُ وَالْحَمَاسَةُ وَالرِّثَاءُ وَالْهِجَاءُ وَالْفَخْرُ، وَأَبْوَابٌ أُخَرُ لَهُمْ فِيهَا شِعْرٌ قَلِيلٌ وَهِيَ الْمُلَحُ وَالْمَدِيحُ. وَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ الشِّعْرِ الْخُطَبُ، وَالْأَمْثَالُ، وَالْمُحَاوَرَاتُ: فَأَمَّا الْخُطَبُ فَكَانَتْ تُنْسَى بِانْتِهَاءِ الْمَقَامَاتِ الْمَقُولَةِ فِيهَا فَلَا يُحْفَظُ مِنْ أَلْفَاظِهَا شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي السَّامِعِينَ التَّأَثُّرُ بِمَقَاصِدِهَا زَمَانًا قَلِيلًا لِلْعَمَلِ بِهِ فَتَأَثُّرُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا جُزْئِيٌّ وَوَقْتِيٌّ. وَأَمَّا الْأَمْثَالُ فَهِيَ أَلْفَاظٌ قَصِيرَةٌ يُقْصَدُ مِنْهَا الِاتِّعَاظُ بِمَوَارِدِهَا، وَأَمَّا الْمُحَاوَرَاتُ فَمِنْهَا عَادِيَّةٌ لَا يَهْتَمُّونَ بِمَا تَتَضَمَّنُهُ إِذْ لَيْسَتْ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِحَيْثُ تُنْقَلُ وَتَسِيرُ، وَمِنْهَا مُحَاوَرَاتُ نَوَادٍ وَهِيَ الْمُحَاوَرَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْمَجَامِعِ الْعَامَّةِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَبِيدٌ بِقَوْلِهِ:
وَكَثِيرَةٍ غُرَبَاؤُهَا مَجْهُولَةٍ ... تُرْجَى نَوَافِلُهَا وَيُخْشَى ذَامُهَا

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بِالذُّحُولِ كَأَنَّهَا ... جِنُّ الْبَدِيِّ رَوَاسِيًا أَقْدَامُهَاُُ

[1] فِي المطبوعة: إِن بدل قالَ وَهُوَ خطأ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست