responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 112
مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَعَلِمَ أَلَّا مَبْلَغَ بِهِمْ إِلَى التَّظَاهُرِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ الْقُرْآنِ فِيمَا عَهِدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَوْقِ زَمِيلِهِ.
هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ مَا بَلَغَتْ إِلَيْهِ قَرِيحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ مِنْهُمْ مِنَ التَّفَطُّنِ إِلَى نُكَتِ الْقُرْآنِ وَخَصَائِصِهِ. وَوَرَاءَ ذَلِكَ نُكَتٌ لَا يَتَفَطَّنُ إِلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُمْ تَآمَرُوا وَتَدَارَسُوا بَيْنَهُمْ فِي نَوَادِيهِمْ أَمْرَ تَحَدِّي الرَّسُولِ إِيَّاهُمْ بِمُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ وَتَوَاصَفُوا مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ بَعْضُ آيَاتِهِ الْعَالِقَةِ بِحَوَافِظِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ مِنَ النُّكَتِ وَالْخَصَائِصِ وَأَوْقَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى مَا لَاحَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْخَصَائِصِ، وَفَكَّرُوا وَقَدَّرُوا وَتَدَبَّرُوا فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا إِنِ انْفَرَدُوا أَوِ اجْتَمَعُوا، وَلِذَلِكَ سَجَّلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ عَجْزَهُمْ فِي الْحَالَتَيْنِ فَقَالَ تَارَةً: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: 23] وَقَالَ لَهُمْ مَرَّةً: لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الْإِسْرَاء: 88] فَحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ وَتَظَاهُرِهِمْ لَمْ تَكُنْ مَغْفُولًا عَنْهَا بَيْنَهُمْ ضَرُورَةَ أَنَّهُمْ مُتَّحَدَّوْنَ بِهَا.
وَهَذِهِ النَّاحِيَةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ مِنَ الْإِعْجَازِ هِيَ أَقْوَى نَوَاحِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَهِيَ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِهَا إِعْجَازُ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ. وَفِي هَذِهِ الْجِهَةِ نَاحِيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ نَاحِيَةُ فَصَاحَةِ اللَّفْظِ وَانْسِجَامِ النَّظْمِ وَذَلِكَ بِسَلَامَةِ الْكَلَامِ فِي أَجْزَائِهِ ومجموعه مِمَّا يجزّ الثِّقَلَ إِلَى لِسَانِ النَّاطِقِ بِهِ، وَلُغَةُ الْعَرَبِ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ وَأَهْلُهَا مَشْهُورُونَ بِفَصَاحَةِ الْأَلْسُنِ. قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» : «إِنَّ الْمَحَاسِنَ اللَّفْظِيَّةَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ فِي الْكَلَامِ الْحُكْمِيِّ، وَالْكَلَامُ لَهُ جِسْمٌ وَهُوَ اللَّفْظُ وَلَهُ رُوحٌ وَهُوَ الْمَعْنَى وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي نُوِّرَ رُوحَهُ بِالْمَعْرِفَةِ يَنْبَغِي أَنْ ينوّر جِسْمه بالنظامة، كَذَلِكَ الْكَلَامُ، وَرُبَّ كَلِمَةٍ حَكِيمَةٍ لَا تُؤَثِّرُ فِي النُّفُوسِ لِرَكَاكَةِ لَفْظِهَا» .
وَكَانَ مِمَّا يَعْرِضُ لِشُعَرَائِهِمْ وَخُطَبَائِهِمْ أَلْفَاظٌ وَلَهَجَاتٌ لَهَا بَعْضُ الثِّقَلِ عَلَى اللِّسَانِ، فَأَمَّا مَا يَعْرِضُ لِلْأَلْفَاظِ فَهُوَ مَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْفَصَاحَةِ بِتَنَافُرِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ أَوْ تَنَافُرِ حُرُوفِ الْكَلِمَاتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا مِثْلَ: مُسْتَشْزِرَاتٍ وَالْكَنَهْبَلِ فِي مُعَلَّقَةِ امْرِئِ الْقَيْس، وسفنّجة والحفيدد فِي مُعَلَّقَةِ طَرْفَةَ، وَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ.
وَقَدْ سَلِمَ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَعَ تَفَنُّنِهِ فِي مُخْتَلِفِ الْأَغْرَاضِ وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ تَكَاثُرِ الْأَلْفَاظِ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْرَدَ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ [يس: 60] وَقَوْلَهُ: وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ [هود: 48]

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست