responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 511
قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمُنَادَى وَالْمُنَادِيَ فِي أَحَدِهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا الْوَرَاءُ، وَفِي الثَّانِي لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْوَرَاءَ تَصِيرُ بِدُخُولِ مِنْ مُبْتَدَأَ الْغَايَةِ، وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَمُنْتَهًى لِفِعْلٍ وَاحِدٍ. وَالَّذِي يَقُولُ: نَادَانِي فُلَانٌ مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ، لَا يُرِيدُ وَجْهَ الدَّارِ وَلَا دُبُرَهَا، وَلَكِنْ أَيَّ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِهَا، كَانَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ تَعَيُّنٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ. انْتَهَى.
وَقَدْ أَثْبَتَ أَصْحَابُنَا فِي مَعَانِي مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَانْتِهَائِهَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ مَحَلًّا لَهُمَا. وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَخَذْتُ الدِّرْهَمَ مِنْ زَيْدٍ، فَزَيْدٌ مَحَلٌّ لِابْتِدَاءِ الْأَخْذِ مِنْهُ وَانْتِهَائِهِ مَعًا. قَالُوا: فَمَنْ تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَطْ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ، وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَانْتِهَائِهَا مَعًا. وَهَذِهِ الْمُنَادَاةُ الَّتِي أُنْكِرَتْ، لَيْسَ إِنْكَارُهَا لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ فِي إِدْبَارِ الْحُجُرَاتِ أَوْ فِي وُجُوهِهَا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَادَوْهُ مِنْ خَارِجٍ، مُنَادَاةَ الْأَجْلَافِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَوْقِيرٌ، كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بعضا.
والحجرات: مَنَازِلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ تِسْعَةً. وَالْحُجْرَةُ: الرِّفْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمَحْجُورَةُ بِحَائِطٍ يُحَوِّطُ عَلَيْهَا. وَحَظِيرَةُ الْإِبِلِ تُسَمَّى حُجْرَةٌ، وَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، كَالْغُرْفَةِ وَالْقُبْضَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْحُجُرَاتِ، بِضَمِّ الْجِيمِ اتِّبَاعًا لِلضَّمَّةِ قَبْلَهَا وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ: بِفَتْحِهَا وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِإِسْكَانِهَا، وَهِيَ لُغًى ثَلَاثٌ، فِي كُلِّ فُعْلَةٍ بِشَرْطِهَا الْمَذْكُورِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ النِّدَاءُ كَانُوا جَمَاعَةً. وَذَكَرَ الْأَصَمُّ أَنَّ مَنْ نَادَاهُ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ، كَانَ الْإِسْنَادُ إِلَى الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُمْ رَاضُونَ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، احْتُمِلَ أَنْ يَكُونُوا تَفَرَّقُوا، فَنَادَى بَعْضٌ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ الْحُجْرَةِ، وَبَعْضٌ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ، أَوْ نَادَوْهُ مُجْتَمِعِينَ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَةٍ حُجْرَةٍ، أَوْ كَانَتِ الْحُجْرَةُ وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجُمِعَتْ إِجْلَالًا لَهُ وَانْتِفَاءُ الْعَقْلِ عَنْ أَكْثَرِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ فِيهِمْ عَقْلًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِقِلَّةِ الْعُقَلَاءِ فِيهِمْ قَصْدًا إِلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَعْقِلُ، فَإِنَّ الْقِلَّةَ تَقَعُ مَوْقِعَ النَّفْيِ فِي كَلَامِهِمْ. انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ الْحُكْمُ بِقِلَّةِ الْعَقْلِ مَنْطُوقًا بِهِ، فَيُحْتَمَلُ النَّفْيُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ:
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. وَالنَّفْيُ الْمَحْضُ الْمُسْتَفَادُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ صَرِيحِ لَفْظِ التَّقْلِيلِ، لَا مِنَ الْمَفْهُومِ، فَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [1] النَّفْيُ الْمَحْضُ لِلشُّكْرِ، لِأَنَّ النَّفْيَ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ صَرِيحِ التَّقْلِيلِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ سُجِّلَتْ عَلَى الَّذِينَ نَادَوْهُ بِالسَّفَهِ والجهل.

[1] سورة البقرة: 2/ 243.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 511
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست