responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 50
الضَّحَّاكُ، وَالْفَرَّاءُ: اسْتِعَارَةٌ لِمَنْعِهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ [1] وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ حِينَ أَرَادَ أَبُو جَهْلٍ ضَرْبَهُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُوَاطِنِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
فَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ حَمَلَ حَجَرًا لِيَدْفَعَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَانْثَنَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ حَتَّى عَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَالْحَجَرُ فِي يَدِهِ قَدْ لَزِقَ، فَمَا فَكُّوهُ إِلَّا بِجُهْدٍ، فَأَخَذَ آخَرَ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الرَّسُولِ، طَمَسَ اللَّهُ بَصَرَهُ فَلَمْ يَرَهُ، فَعَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمْ يُبْصِرْهُمْ حَتَّى نَادَوْهُ
، فَجَعْلُ الْغُلِّ يَكُونُ اسْتِعَارَةً عَنْ مَنْعِ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَلَمَّا كَانَ أَصْحَابُ أَبِي جَهْلٍ رَاضِينَ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ، فنسب ذلك إلى الجمع. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اسْتِعَارَةٌ لِمَنْعِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَحَوْلِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي الْأَزَلِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْمَنْعِ وَإِحَاطَةِ الشَّقَاوَةِ مَا حَالُهُمْ مَعَهُ حَالُ الْمَغْلُولِينَ. انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَثَّلَ تَصْمِيمَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى دَعْوَاهُمْ بِأَنْ جَعَلَهُمْ كَالْمَغْلُولِينَ الْمُقْمَحِينَ فِي أَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَا يَعْطِفُونَ أَعْنَاقَهُمْ نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم لَهُ، وَكَالْحَاصِلِينَ بَيْنَ سَدَّيْنِ لَا يُبْصِرُونَ مَا قُدَّامَهُمْ وَلَا مَا خَلْفَهُمْ فِي أَنْ لَا تَأْمُّلَ لَهُمْ وَلَا يُبْصِرُونَ، أَنَّهُمْ مُتَعَامُونَ عَنِ النَّظَرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
انْتَهَى، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِعَارَةٌ لِمَنْعِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ؟ وَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ مَثَّلَ تَصْمِيمَهُمْ وَنِسْبَتُهُ الْأَفْعَالَ الَّتِي يَعْدُهَا إِلَيْهِمْ لَا إِلَى اللَّهِ.
وَالْغُلُّ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ عَلَى مَعْنَى التَّعْنِيفِ وَالتَّضْيِيقِ وَالتَّعْذِيبِ وَالْأَسْرِ، وَمَعَ الْعُنُقِ الْيَدَانِ أَوِ الْيَدُ الْوَاحِدَةُ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيلِ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي فَهِيَ إِلَى الْأَغْلَالِ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ وَالْمُحَدَّثُ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ عَرِيضَةٌ تَبْلُغُ بِحَرْفِهَا الْأَذْقَانَ، وَالذَّقَنُ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، فَيَضْطَرُّ الْمَغْلُولُ إِلَى رَفْعِ وَجْهِهِ نَحْوُ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ الْإِقْمَاحُ، وَهُوَ نَحْوُ الْإِقْنَاعِ فِي الْهَيْئَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْأَغْلَالُ وَأَصْلُهُ إِلَى الْأَذْقَانِ مَكْزُوزَةٌ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ طَوْقَ الْغُلِّ الَّذِي هُوَ عُنُقُ الْمَغْلُولِ يَكُونُ فِي مُلْتَقَى طَرَفَيْهِ تَحْتَ الذَّقَنِ حَلْقَةٌ فِيهَا رَأْسُ الْعَمُودِ نَادِرًا مِنَ الْحَلْقَةِ إِلَى الذَّقَنِ، فَلَا تُخَلِّيهِ يطاطىء رأسه ويوطىء قَذَالَهُ، فَلَا يَزَالُ مُقْمَحًا. انْتَهَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْقَمْحُ الَّذِي يَغُضُّ بَصَرَهُ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ نَحْوَهُ قَالَ: يُقَالُ قَمَحَ الْبَعِيرُ رَأْسَهُ عَنْ رَيٍّ وَقَمَحَ هُوَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَمَحَ قُمُوحًا: رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ الْحَوْضِ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَالْجَمْعُ قِمَاحٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ بِشْرٍ يَصِفُ مَيْتَةَ أحدهم ليدفنها:

[1] سورة الإسراء: 17/ 29.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست