responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 163
ورَحْمَةً، وَذِكْرى: مَفْعُولَانِ لَهُمَا، أَيْ أَنَّ الْهِبَةَ كَانَتْ لِرَحْمَتِنَا إِيَّاهُ، وَلِيَتَذَكَّرَ أَرْبَابُ الْعُقُولِ، وَمَا يَحْصُلُ لِلصَّابِرِينَ مِنَ الخير، وما يؤول إِلَيْهِ مِنَ الْأَجْرِ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَكَانَ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ لِسَبَبٍ جَرَى مِنْهَا، وَكَانَتْ مُحْسِنَةً لَهُ، فَجَعَلْنَا لَهُ خَلَاصًا مِنْ يَمِينِهِ بِقَوْلِنَا: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الضِّغْثُ: عِثْكَالُ النَّخْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَثْلُ، وَهُوَ نَبْتٌ لَهُ شَوْكٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: حُزْمَةٌ مِنَ الْحَشِيشِ مُخْتَلِفَةٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الشَّجَرُ الرَّطْبُ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي أَوْجَبَ حَلِفَهُ.
وَمَحْصُولُ أَقْوَالِهِمْ هُوَ تَمَثُّلُ الشَّيْطَانِ لَهَا فِي صُورَةِ نَاصِحٍ أَوْ مُدَاوٍ. وَعَرَضَ لَهَا شِفَاءَ أَيُّوبَ عَلَى يَدَيْهِ عَلَى شَرْطٍ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ مِنْ مُؤْمِنٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي عَرَضَ لَهَا هُوَ الشَّيْطَانُ، وَغَضِبَ لِعَرْضِهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَهِيَ مُتَعَارِضَةٌ. فَحَلَّلَ اللَّهُ يَمِينَهُ بِأَهْوَنِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا، لِحُسْنِ خِدْمَتِهَا إِيَّاهُ وَرِضَاهُ عَنْهَا، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذِهِ الرُّخْصَةِ فِي الْإِسْلَامِ.
أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخْدَجٍ قَدْ خَبُثَ بِأَمَةٍ فَقَالَ: «خُذُوا عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَاضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً» .
وَقَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْأَيْمَانِ، قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُصِيبَ الْمَضْرُوبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمِائَةِ، إِمَّا أَطْرَافُهَا قَائِمَةٌ، وَإِمَّا أَعْرَاضُهَا مَبْسُوطَةٌ، مَعَ وُجُودِ صُورَةِ الضَّرْبَةِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَرْكِ الْقَوْلِ فِي الْحُدُودِ، وَأَنَّ الْبِرَّ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِإِتْمَامِ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ. وَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ. وَقَدْ قَالَ: مَسَّنِيَ الضُّرُّ [1] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّكْوَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تُنَافِي الْوَصْفَ بِالصَّبْرِ.
وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ عَلَى أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ الشِّفَاءَ خِيفَةً عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُوَسْوِسَ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يُبْتَلَ، وَتَأَلُّفًا لِقَوْمِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَبَلَغَ أَمْرُهُ فِي الْبَلَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ.
وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ: إِلَهِي قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ لِسَانِي قَلْبِي، وَلَمْ يَتْبَعْ قَلْبِي بَصَرِي، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مَا مَلَكَتْ يَمِينِي، وَلَمْ آكُلْ إِلَّا وَمَعِي يَتِيمٌ، وَلَمْ أَبِتْ شَبْعَانًا وَلَا كَاسِيًا وَمَعِي جَائِعٌ أَوْ عُرْيَانٌ، فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ، عبدنا على الإفراد، وإبراهيم بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَمْعِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أُولِي الْأَيْدِي، بِالْيَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْقُوَّةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِحْسَانُهُمْ فِي الدِّينِ وَتَقَدُّمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى عَمَلِ صِدْقٍ، فَهِيَ كالأيدي،

[1] سورة الأنبياء: 21/ 83.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 163
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست