responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 157
زِيَادَةً خَارِقَةً لِلْعَادَةِ بَالِغَةً حَدَّ الْإِعْجَازِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ، قَاهِرًا لِلْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ، وَلَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً حَتَّى تَخْرِقَ الْعَادَاتِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.
وَقِيلَ: كَانَ مُلْكًا عَظِيمًا، فَخَافَ أَنْ يُعْطَى مِثْلَهُ أَحَدٌ، فَلَا يُحَافِظُ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ فِيهِ، كَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةِ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [1] . وَقِيلَ: مُلْكًا لَا أُسْلَبُهُ، وَلَا يَقُومُ فِيهِ غَيْرِي مَقَامِي. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عَلِمَ اللَّهُ فِيمَا اخْتَصَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ مَصَالِحَ فِي الدِّينِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ بِأَحْبَابِهِ غَيْرُهُ، وَأَوْجَبَتِ الْحِكْمَةُ اسْتِيهَابَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَوْهِبَهُ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنْ لَا يَضْبُطَهُ عَلَيْهَا إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ عِبَادِهِ. أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: مُلْكًا عَظِيمًا، فَقَالَ:
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا عَظَمَةَ الْمُلْكِ وَسَعَتِهِ، كَمَا تَقُولُ لِفُلَانٍ:
مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالْمَالِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِلنَّاسِ أَمْثَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ تَعْظِيمَ مَا عِنْدَهُ. انْتَهَى.
وَلَمَّا بَالَغَ فِي صِفَةِ هَذَا الْمُلْكِ الَّذِي طَلَبَهُ، أَتَى فِي صِفَتِهِ تَعَالَى بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَقَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: أَيِ الْكَثِيرُ الْهِبَاتِ، لَا يَتَعَاظَمُ عِنْدَهُ هِبَةٌ. وَلَمَّا طَلَبَ الْهِبَةَ الَّتِي اخْتَصَّ بِطَلَبِهَا، وَهَبَهُ وَأَعْطَاهُ مَا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِالْإِفْرَادِ وَالْحَسَنُ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: الرِّيَاحُ بِالْجَمْعِ، وَهُوَ أَعَمُّ لِعَظَمِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَإِنْ كَانَ الْمُفْرَدُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ. تَجْرِي: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً، أَيْ جَارِيَةً، وَأَنْ تَكُونَ تَفْسِيرِيَّةً لِقَوْلِهِ: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ.
بِأَمْرِهِ أَيْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ جَرْيَهَا. رُخاءً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: مُطِيعَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: طَيِّبَةً. حَيْثُ أَصابَ: أَيْ حَيْثُ قَصَدَ وَأَرَادَ، حَكَى الزَّجَّاجُ عَنِ الْعَرَبِ. أَصَابَ الصَّوَابَ فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ: أَيْ قَصَدَ. وَعَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَصَدَاهُ لِيَسْأَلَاهُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: أَيْنَ تُصِيبَانِ؟ فقال: هَذِهِ طَلِبَتُنَا. وَيُقَالُ: أَصَابَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا، وَأَنْشَدَ الثَّعْلَبِيُّ:
أَصَابَ الْكَلَامَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ... فَأَخْطَأَ الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصِلِ
وَقَالَ وَهْبٌ: حَيْثُ أَصَابَ، أَيْ أَرَادَ. قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَ دَخَلَتْ فِيهِ هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ مِنْ صَابَ، أَيْ حَيْثُ وَجَّهَ جُنُودَهُ وَجَعَلَهُمْ يَصُوبُونَ صَوْبَ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ، وَقِيلَ:

[1] سورة البقرة: 2/ 30.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 157
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست