responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 116
الصَّالِحِينَ. وَلَفْظُ الْهِبَةِ غَلَبَ فِي الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخِ، كَقَوْلِهِ: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [1] . وَاشْتَمَلَتِ الْبِشَارَةُ عَلَى ذُكُورِيَّةِ الْمَوْلُودِ وَبُلُوغِهِ سِنَّ الْحُلُمِ وَوَصْفِهِ بِالْحِلْمِ، وَأَيُّ حِلْمٍ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِ أَبُوهُ الذَّبْحَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ؟
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَوُلِدَ لَهُ وَشَبَّ. فَلَمَّا بَلَغَ: أي بلغ أَنْ يَسْعَى مَعَ أَبِيهِ فِي أَشْغَالِهِ وَحَوَائِجِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وابن زَيْدٍ: وَالَسَّعْيُ هُنَا: الْعَمَلُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَعُونَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: السَّعْيُ عَلَى الْقَدَمِ، يُرِيدُ سَعْيًا مُتَمَكِّنًا، وَفِيهِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِبَلَغَ بِهِ بُلُوغُهُمَا مَعًا حَدَّ السَّعْيِ وَلَا بِالسَّعْيِ، لِأَنَّ أَصْلَهُ الْمَصْدَرُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَنَفَى أَنْ يَكُونَ بَيَانًا، كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، أَيِ الْحَدَّ الَّذِي يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى السَّعْيِ، قِيلَ: مَعَ مَنْ؟ فَقَالَ: مَعَ أَبِيهِ، وَالْمَعْنَى فِي اخْتِصَاصِ الْأَبِّ أَنَّهُ أَرْفَقُ النَّاسِ وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَبِمَا عَنَّفَ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِسْعَاءِ، فَلَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْكِمْ قَوْلَهُ، وَلَمْ يَطْلُبْ عَوْدَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ ابْنَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. انْتَهَى.
قالَ يا بُنَيَّ: نِدَاءُ شَفَقَةٍ وَتَرَحُّمٍ. إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ: أَيْ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ. وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ كَالْيَقَظَةِ، وَذِكْرُهُ لَهُ الرُّؤْيَا تَجْسِيرٌ عَلَى احْتِمَالِ تِلْكَ الْبَلِيَّةِ الْعَظِيمَةِ. وَشَاوَرَهُ بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ مَاذَا تَرى، وَإِنْ كَانَ حَتْمًا مِنَ اللَّهِ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ تَلَقِّي هَذَا الِامْتِحَانِ الْعَظِيمِ، وَيُصَبِّرَهُ إِنْ جَزَعَ، وَيُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى مُلَاقَاةِ هَذَا الْبَلَاءِ، وَتَسْكُنَ نَفْسُهُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، إِذْ مُفَاجَأَةُ الْبَلَاءِ قَبْلَ الشُّعُورِ بِهِ أَصْعَبُ عَلَى النَّفْسِ، وَكَانَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَقَظَةِ، كَرُؤْيَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَرُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ حَالَتَيِ الْأَنْبِيَاءِ يَقَظَةً وَمَنَامًا سَوَاءٌ فِي الصِّدْقِ مُتَظَافِرَتَانِ عَلَيْهِ.
قِيلَ: إِنَّهُ حِينَ بَشَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ قَالَ: هُوَ إِذَنْ ذَبِيحُ اللَّهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ حَدَّ السَّعْيِ مَعَهُ قِيلَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ. قِيلَ: رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ بِذَبْحِ ابْنِكَ هَذَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ، رَوَّى فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الرَّوَاحِ. أَمِنَ اللَّهِ هَذَا الْحُلْمُ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. فلما أمسى، رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ. ثُمَّ رَأَى مِثْلَهُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَهَمَّ بِنَحْرِهِ، فسمي يوم النحر.

[1] سورة مريم: 19/ 53.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 9  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست