responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 529
عَلَى التَّمَاثِيلِ، لِأَنَّ النُّقُوشَ تَكُونُ فِي الْأَبْنِيَةِ. وَقُدِّمَ الْجِفَانُ عَلَى الْقُدُورِ، لِأَنَّ الْقُدُورَ آلَةُ الطَّبْخِ، وَالْجِفَانُ آلَةُ الْأَكْلِ، وَالطَّبْخُ قَبْلَ الْأَكْلِ، لِمَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ الْمَلَكِيَّةِ. وَأَرَادَ بَيَانَ عَظَمَةِ السِّمَاطِ الَّذِي يُمَدُّ فِي تِلْكَ الدُّورِ، وَأَشَارَ إِلَى الْجِفَانِ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِيهَا، وَالْقُدُورُ لَا تَكُونُ فِيهَا وَلَا تُحَضَّرُ هُنَاكَ، وَلِهَذَا قَالَ: راسِياتٍ. وَلَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْجِفَانِ، سَرَى الذِّهْنُ إِلَى عَظَمَةِ مَا يُطْبَخُ فِيهِ، فَذَكَرَ الْقُدُورَ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَذَكَرَ فِي حَقِّ دَاوُدَ اشْتِغَالَهُ بِآلَةِ الْحَرْبِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى قِتَالِ الْأَعْدَاءِ، وَفِي حَقِّ سُلَيْمَانَ الْمَحَارِيبَ وَالتَّمَاثِيلَ، لِأَنَّهُ كَانَ مَلِكًا ابْنَ مَلِكٍ، قَدْ وَطَّدَ لَهُ أَبُوهُ الْمُلْكَ، فَكَانَتْ حَالُهُ حَالَةَ سِلْمٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى مُحَارَبَتِهِ.
وَقَالَ عَقِبَ: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ، واعْمَلُوا صالِحاً، وَعَقِبَ مَا يَعْمَلُهُ الْجِنُّ:
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى زَخَارِفِهَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ صَالِحًا، اعْمَلُوا آلَ داوُدَ. وَقِيلَ: مَفْعُولُ اعْمَلُوا مَحْذُوفٌ، أَيِ اعْمَلُوا الطَّاعَاتِ وَوَاظِبُوا عَلَيْهَا شُكْرًا لِرَبِّكُمْ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَقِيلَ:
انْتَصَبَ شُكْرًا عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَقِيلَ: مَفْعُولٌ لَهُ بِاعْمَلُوا، أَيِ اعْمَلُوا عَمَلًا هُوَ الشُّكْرُ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فِي أَنْفُسِهَا هِيَ الشُّكْرُ إِذَا سَدَّتْ مَسَدَّةً، وَقِيلَ: عَلَى الْمَصْدَرِ لِتَضْمِينِهِ اعْمَلُوا اشْكُرُوا بِالْعَمَلِ لِلَّهِ شُكْرًا.
رُوِيَ أَنَّ مُصَلَّى آلِ دَاوُدَ لَمْ يَخْلُ قَطُّ مِنْ قَائِمٍ يُصَلِّي لَيْلًا وَنَهَارًا، وَكَانُوا يَتَنَاوَبُونَهُ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَأْكُلُ الشَّعِيرَ، وَيُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُشْكَارَ، وَالْمَسَاكِينَ الدَّرْمَكَ، وَمَا شَبِعَ قَطُّ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَخَافُ إِنْ شَبِعْتُ أَنْ أنس الجياع.
والشَّكُورُ: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، وَأُرِيدَ بِهِ الْجِنْسُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشَّكُورُ: مَنْ يَشْكُرُ عَلَى أَحْوَالِهِ كُلِّهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَنْ يَشْكُرُ عَلَى الشُّكْرِ. وَقِيلَ: مَنْ يَرَى عَجْزَهُ عَنِ الشُّكْرِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خِطَابًا لِآلِ دَاوُدَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَنْ تَكُونَ خِطَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا تَنْبِيهٌ وَتَحْرِيضٌ عَلَى الشُّكْرِ.
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ: أَيْ أَنْفَذْنَا عَلَيْهِ مَا قَضَيْنَا عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَخْرَجْنَاهُ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ. وَجَوَابُ لَمَّا النَّفْيُ الْمُوجَبُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَمَّا حَرْفٌ لَا ظَرْفٌ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَرْفًا لَكَانَ الْجَوَابُ هُوَ الْعَامِلُ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ نَافِيَةٌ، وَلَا يَعْمَلُ مَا قَبْلَهَا فِيمَا بَعْدَهَا، وَقَدْ مَضَى لَنَا نَظِيرُ هَذَا فِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [1] .

[1] سورة يوسف: 12/ 68.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 529
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست