responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 472
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْرَفِيُّ: لَمَّا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ مُلْكِ الدُّنْيَا وَنَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَأَمَرَ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ لِيَظْهَرَ صِدْقُ مُوَافَقَتِهِنَّ، وَكَانَ تَحْتَهُ عَشْرُ نِسَاءٍ، زَادَ الْحِمْيَرِيَّةَ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِلَّا الْحِمْيَرِيَّةَ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ، وَبَدَأَ بِهَا، وَكَانَتْ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» . ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ، فَقَالَتْ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، لَا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا بَعَثَنِي اللَّهُ مُبَلِّغًا وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا» .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُنَّ إِذَا اخْتَرْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، مَتَّعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ وَطَلَّقَهُنَّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ الْفِرَاقُ دُونَ أَنْ يُوقِعَهُ هُوَ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هِيَ آيَةُ تَخْيِيرٍ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: اخْتَارِي، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا.
وَعَنْ عَلِيٍّ: تَكُونُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً
، وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ
وَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ ذَهَبُوا إِلَى
أَنَّ الْآيَةَ فِي التَّخْيِيرِ وَالطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ
وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، قَالَ هَذَا الْقَائِلُ. وَأَمَّا أَمْرُ الطَّلَاقِ فَمُرْجَأٌ، فَإِنِ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ، نَظَرَ هُوَ كَيْفَ يُسَرِّحُهُنَّ، وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّ التَّخْيِيرَ يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَهُوَ قَدْ قَالَ: وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا، وَلَيْسَ مَعَ بَتِّ الطَّلَاقِ سَرَاحٌ جَمِيلٌ. انْتَهَى.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ عَلَّقَ عَلَى إِرَادَتِهِنَّ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وُقُوعَ التَّمْتِيعِ وَالتَّسْرِيحِ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّهُ كَانَ عَظِيمُ هَمِّكُنَّ وَمَطْلَبِكُنَّ التَّعَمُّقَ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلَ نَعِيمِهَا وَزِينَتِهَا.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي: فَتَعالَيْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ [1] فِي آلِ عِمْرَانَ. أُمَتِّعْكُنَّ، قِيلَ: الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا. وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: وَمَتِّعُوهُنَّ [2] يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَفِي تَفْصِيلِ الْمَذَاهِبِ فِي الْبَقَرَةِ. وَالتَّسْرِيحُ الْجَمِيلُ إِمَّا فِي دُونِ الْبَيْتِ، أَوْ جَمِيلِ الثَّنَاءِ، وَالْمُعْتَقَدِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ إِنْ كَانَ تَامًّا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أُمَتِّعْكُنَّ، بِالتَّشْدِيدِ مِنْ مَتَّعَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بِالتَّخْفِيفِ مِنْ أَمْتَعَ. وَمَعْنَى أَعَدَّ: هَيَّأَ وَيَسَّرَ، وَأَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ

[1] سورة آل عمران: 3/ 61.
[2] سورة البقرة: 236.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 472
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست