responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 451
أَهْلَ مَكَّةَ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِهِمْ، وَيُعْطُوهُ شَطْرَ أَمْوَالِهِمْ، وَيُزَوِّجَهُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بِنْتَهُ وَخَوَّفَهُ مُنَافِقُو الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ، فَنَزَلَتْ.
وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ حَكَى أَنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ الْفَتْحَ، وَهُوَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ، فَأَمَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَنَهَاهُ عَنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا أَرَادُوا بِهِ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً: عَلِيمًا بِالصَّوَابِ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْمَصْلَحَةِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ حَكِيمًا لَا يَضَعُ الْأَشْيَاءَ إِلَّا مَوَاضِعَهَا مَنُوطَةً بِالْحِكْمَةِ أَوْ عَلِيمًا حَيْثُ أَمَرَ بِتَقْوَاهُ، وَأَنَّهَا تَكُونُ عَنْ صَمِيمِ الْقَلْبِ، حَكِيمًا حَيْثُ نَهَى عَنْ طَاعَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: هِيَ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ، أَيْ عَلِيمًا بِمَنْ يَتَّقِي، حَكِيمًا فِي هَدْيِ مَنْ شَاءَ وَإِضْلَالِ مَنْ شَاءَ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَتَرْكِ مَرَاسِيمِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: بِمَا يَعْمَلُونَ، الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِتَاءِ الْخِطَابِ، فَجَازَ فِي الْأُولَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ: وَاتَّبِعْ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِتَفْوِيضِ أَمْرِهِ إِلَى اللَّهِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَفى بِاللَّهِ فِي أَوَّلِ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ.
رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي فِهْرٍ رَجُلٌ فِيهِمْ يُقَالُ لَهُ: أَبُو مَعْمَرٍ جَمِيلُ بْنُ أَسَدٍ، وَقِيلَ: حُمَيْدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ جُمَحَ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
وَكَيْفَ ثَوَائِي بِالْمَدِينَةِ بعد ما ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرِ
يَدَّعِي أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: ذُو الْقَلْبَيْنِ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَذْكَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَفْهَمُ فَلَمَّا بَلَغَتْهُ هَزِيمَةُ بَدْرٍ طَاشَ لُبُّهُ وَحَدَّثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِحَدِيثٍ كَالْمُخْتَلِّ، فَنَزَلَتْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ جَمَاعَةٌ، يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ: نَفْسٌ تَأْمُرُنِي وَنَفْسٌ تَنْهَانِي. وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا لَهُ قَلْبَانِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي شَيْءٍ، فَنَزَعَ فِي غَيْرِهِ نَزْعَةً ثُمَّ عَادَ إِلَى شَأْنِهِ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ كُلِّ أَحَدٍ. قِيلَ: وَجْهُ نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالتَّقْوَى، كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَلْبِ تَقْوَى غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيْسَ لَهُ قَلْبَانِ يَتَّقِي بِأَحَدِهِمَا اللَّهَ وَبِالْآخَرِ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَتَّقِي غَيْرَهُ إِلَّا بِصَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ جِهَةِ اللَّهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ. انْتَهَى، مُلَخَّصًا. وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ قَلْبَيْنِ، لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَفْعَلَ أَحَدُهُمَا مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الْآخَرُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرَهُ، فَيُؤَدِّي إِلَى اتِّصَافِ الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ مُرِيدًا كَارِهًا عَالِمًا ظَانًّا شَاكًّا مُوقِنًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. وَذُكِرَ الْجَوْفُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْلُومُ أَنَّ الْقَلْبَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْجَوْفِ، زِيَادَةً

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست