responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 385
الْمُفَارَقَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ. وَقَالَ: لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادَةِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى مُرْشِدٍ، فَنَبَّهَ عَلَى السَّمَاعِ، وَجَعَلَ الْبَالَ مِنْ كَلَامِ الْمُرْشِدِ. وَلَمَّا ذَكَرَ عَرَضِيَّاتِ الْأَنْفُسِ اللَّازِمَةَ وَالْمُفَارِقَةَ، ذَكَرَ عَرَضِيَّاتِ الْآفَاقِ الْمُفَارِقَةَ مِنْ إِرَاءَةِ الْبَرْقِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَقَدَّمَهَا عَلَى مَا هُوَ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ وَالْإِحْيَاءُ، كما قدم السموات عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدَّمَ الْبَرْقَ عَلَى الْإِنْزَالِ، لِأَنَّهُ كَالْمُبَشِّرِ يَجِيءُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَادِمِ. وَالْأَعْرَابُ لَا يَعْلَمُونَ الْبِلَادَ الْمُعْشِبَةَ، إِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوُا الْبُرُوقَ اللَّائِحَةَ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. وَقَالَ: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، لِأَنَّ الْبَرْقَ وَالْإِنْزَالَ لَيْسَ أَمْرًا عَادِيًّا فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ طَبِيعَةٌ، إِذْ يَقَعُ ذَلِكَ بِبَلْدَةٍ دُونَ أُخْرَى، وَوَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، وَقَوِيًّا وَضَعِيفًا، فَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْعَقْلِ دَلَالَةً عَلَى الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ لِمَنْ عَقَلَ بِأَنْ لَمْ يَتَفَكَّرْ تَفَكُّرًا تَامًّا.
ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَاتِ بقيام السموات الأرض، وَذَلِكَ مِنَ الْعَوَارِضِ اللَّازِمَةِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَكَانِهِ، فَيُتَعَجَّبُ مِنْ وُقُوفِ الْأَرْضِ وَعَدَمِ نُزُولِهَا، وَمِنْ عُلُوِّ السَّمَاءِ وَثَبَاتِهَا مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ. ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالنَّشْأَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْخُرُوجُ مِنَ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ تَعَالَى مِنْ كُلِّ بَابٍ أَمْرَيْنِ: مِنَ الْأَنْفُسِ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ لَكُمْ، وَمِنَ الْآفَاقِ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَمِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ اخْتِلَافَ الْأَلْسِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَلْوَانِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ الْمَنَامَ وَالِابْتِغَاءَ، وَمِنْ عَوَارِضِ الْآفَاقِ الْبَرْقَ وَالْمَطَرَ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ قِيَامَ السَّمَاءِ وَقِيَامَ الْأَرْضِ.
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ، فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: عَامٌّ فِي كَوْنِهِمْ تَحْتَ مُلْكِهِ وَقَهْرِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
قانِتُونَ: قَائِمُونَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٍ

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 8  صفحه : 385
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست